خوخة.. وصلت
خوخة.. وصلت
أما خوخة فهو اسم الدلع الذي قررنا أن نطلقه على بنت أخي وهي بعد لم تزل جنينا عمره ثلاث أشهر في بطن والدتها.. أما وصولها للدنيا فكان أخيرا بالأمس بعد أن تأخرت عن ميعادها - الذي حدده لها لفيف من كبار الأطباء- أكثر من أسبوع تأرجحت فيه قلوبنا بين الخوف والأمل كما يفعل الأطفال الصغار بالشلن الفضة وهم يلعبون به ملك وكتابة.. جاءت خوخة للحياة قبل أن أصل إلى المستشفى بثلاث دقائق فحسب فلم أر ذلك المشهد السينمائي الأثير - الذي يكون عادة من وراء زجاج حجرة العمليات- وهي تخرج من بطن والدتها مقلوبة تبكي بحرقة محاطة بسائل رقيق.. وإنما شاهدتها مستكينة في حضن خالتها ملفوفة في ملابس مجهزة خصيصا للأطفال حديثي الولادة.. المشهد كان مثيرا بجد.. وخاصة أنها المرة الأولى التي أرى فيه طفلا مولودا لايف كده وعلى الهواء .. جسد هش.. مستكين..تضم يدها الصغيرتين على صدرها في براءة يستحيل وصفها..ملامحها الدقيقة والمنمنة تظهر جمالا سيتخذ أشكالا أكثر تفصيلا فيما بعد.. تصمت للحظات ثم دون أي مقدمات تزعق وتصرخ وتبكي- تقريبا كلما اقتربت منها!- .. شعرت برهبة وأنا أمسكها لأول مرة.. كل هذا الطهر والنقاء بين يدك الملوثة بآثام عمرها 26 عاما- لأ كتير كده ماهو مش معقول برضة نزلت أنا من بطن أمي بأعمل ذنوب..مشيها من 16 سنة!- ثم تنساب المشاهد المستقبيلة كفلاش فورورد في ذهنك .. هذا الكائن الصغير يكبر ويذهب إلى المدرسة ..مامتها تنسج لها الضفائر.. يعاكسها ابن الجيران قليل الأدب.. تقع في هوى زميلها في الجامعة الذي سيكون شهما - ولن يقلد عمها!- ويخطبها في فوره.. هاهي في فستان الزفاف الأبيض.. ووالدها – الأمور ده باسم أخويا!- ووالدتها – العسولة دي مامتها!- ..يقفان جوارها والسعادة تصنع حولهما هالة يستحيل اختراقها ولابالصواريخ النووية..
تصرخ خوخة- التي بات اسمها في سجلات الحكومة "حلا"- منادية شخص ما لا ندري اسمه الآن ..لكن حتما سنتعرفه عن قريب.. عندما نراه جالسا بجوارها في الكوشة..
وكل هذه الحياة التي تنبض فيها وكل هذا النقاء الساكن بين يدي.. لا أملك سوى أن أهمس والقشعريرة تسري في جسدي كله .."سبحان الخالق"..