من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

الجمعة، أبريل 23، 2010

مدينة تامر

مدينة "تامر"


المدهش ليس في أن يمتلك عبد السلام محجوب وزير التنمية المحلية الجرأة ليخرج قائلا أنه وافق على طلب أهالي قرية دماص- بمحافظة الدقهلية - بأن يتحولوا- في غمضة عين- إلى مدينة لمجرد أن تراب القرية قد وطأته قدم جمال مبارك نجل الرئيس والأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم، لكن المدهش في الأمر حقا هو أن الوزير طلب من الأهالي التبرع بالأرض التي سيتم عليها إنشاء قسم الشرطة.. وكأن هذه شروط تحول أي قرية إلى مدينة.. أن يزورها جمال مبارك أولا ثم ينشأ أهلها قسم شرطة ثانيا، وعليه لو استطاع شخص اسمه تامر مثلا أن يتبرع بقطعة أرض في قلب الصحراء الشرقية لبناء قسم الشرطة عليها، قبل أن يقنع جمال مبارك بزيارته- ربما عن طريقة واسطة أحمد عز-، لصارت قطعة الأرض الجرداء هذه في ثاني يوم مدينة متكاملة اسمها "مدينة تامر"!

وإذا كان من المفهوم- وليس من المنطق أو القانون أو العقل طبعا- أن تحدث هذه الواقعة مع قرية يزورها الرئيس مبارك، فتتحول لمجرد أنه أراد ذلك إلى مدينة، فماشي.. هو رئيس البلد في الأول وفي الآخر، ويتصور أنه يديرها بطريقة "أسرية خالصة"، فإذا أراد نقل هذه القطعة من المنزل إلى مكان أخرى لفعل، وعرفنا ذلك من قبل عندما نام أهالي حي المعادي في يوم وهم قاهريون، ليستيقظوا في اليوم التالي وقد وجدا أنفسهم حلوانيون، وكل هذا يتماشي مع القول المغلوط الذي يحاول أن يؤكد عليه مؤيدو الرئيس- ومعهم مرشد الإخوان- بأنه "أب" وليس حاكم دولة، لكن ما علاقة جمال مبارك بدور الأب هذا الآن؟ له الحق بكل تأكيد أن يمارس ذلك الدور في منزله وفي نطاق أسرته، إنما على شعب بحاله وبلد بأكمله، وفي ظل وجود "الرئيس الأب" نفسه وعدم غيابه.. مش كتير برضه؟

ماحدث في دماص، يؤكد جمال مبارك يمارس صلاحيات "رئيس الدولة.. الأب"، وذلك بعد أن مارس لفترة دور "رئيس الدولة" فقط، وهو أمر يثير التساؤلات بشدة عن رضا الرئيس مبارك عن ذلك الذي يقوم به نجله، خاصة في ظل تواتر الحديث عن الاتجاه لتعيين نائب رئيس وطرح أسماء عدة ليس من بينها جمال مبارك.

تحول دماص من قرية إلى مدينة لمجرد زيارة جمال مبارك لها، يؤكد بالفعل أن مصر صارت تفتقد ملامحها كدولة قانون وعقل ومنطق، وأنها لم تعد أكثر من دولة "حسب الرغبات"، وهل يستطيع أحد من أهالي القرية أو وزير التنمية المحلية شخصيا أن يعترض على تحويل دماص إلى عزبة أو نجع لو غضب عليهم جمال مبارك وعاد في كلامه الخاص بتحولهم إلى أبناء مدن؟ صحيح أن مصر الآن لافارق فيها بين العزبة والقرية والنجع والمدينة وكلهم في العشوائية والفساد والقبح والبلاء وطفح المجاري وانتشاء القمامة سواء، لكن السؤال سيظل يطرح نفس بقوة.. إذا كانت دماص تحولت والحمد لله من قرية إلى مدينة بفضل زيارة جمال مبارك فمتى إذن تتحول مصر إلى دولة يسود فيها القانون والعقل وليس رغبة نجل الرئيس؟ الإجابة: أكيد عندما يتوقف جمال مبارك عن زيارة دماص وأخواتها!

الأحد، فبراير 28، 2010

للإسكندارنية فقط

للإسكندارنية فقط
هل هناك أجواء أفضل من الرعد والبرق والمطر الذي يتحول إلى ثلج أحيانا لزيارة الإسكندرية؟
هذا وقتها إذن، خاصة بعد النجاح "المروع" الذي حققته حفلة التوقيع الأولى التي أجريت في معرض القاهرة للكتاب قبل شهر تقريبا، ولم يحضرها سوى خمسة من الأصدقاء وسيدة عجوز- يبدو أنها كانت تبحث عن كتب للطبخ وضلت طريقها- طلبت مني بشجن أن أوقعها له نسخة من كتاب "ورد وبصل"!
هي نفس الحفلة- المبهجة- التي بسببها نزلت من البيت بملابس جديدة لانج، فنسيت المحافظة- وبداخلها البطاقة والرخصة وكل ما يثبت أن أنا هو أنا-، ومعها كل الفلوس- التي تثبت أني أنال راتبا شهريا ملظلظا- ماتفكرنيش أرجوك- من الدستور.
هي ذات الحفلة - المفرحة- التي كنت جالسا فيها على كرسي يليق بقهوة "حسونة" حينما لمحت أحد الأصدقاء مقبلا بشوشا فقمت متحمسا للترحيب به، في نفس اللحظة التي برز فيها من الكرسي مسمار صلبا أصيلا لـ"ينتش" البنطلون من الخلف في لحظة قاسية يشعر فيها المرء بأن "بلا غطاء".
حسنا، لكل ما فاتهم تلك العروض السابقة، العرض قابل للتكرار في الإسكندرية الحبيبة، يوم الجمعة 5 مارس في تمام الساعة الخامسة عصرا ، في جناح دار دون ودار الكتب بمعرض الإسكندرية للكتاب بأرض كوتة-الوصفة الدقيقة تقول أن جناح دون بجوار جناح تركيا-، حيث حفل توقيع كتابي "الإنسان أصله جوافة" و"ورد بصل"، ومن دواعي السرور والحبور أن صديقي اللدود شريكي في كل المآسي والأتراح وسرادقات العزاء "حسام مصطفى إبراهيم" سيكون إلى جواري في هذا اليوم العصيب ليوقع بدوره على كتابه الجديد- الجميل فعلا - "جر شكل" في نفس الوقت والمكان "لوط" واحد.
آمل أن نلقى هناك- بإذن الله- كل الإسكندارنية الجدعان وأحبائهم وجيرانهم وأخوالهم وأعمامهم وسمعني أحلى سلام لآيس كريم عزة بجوار القلعة وأسماك شعبان في محطة الرمل.

الخميس، فبراير 04، 2010

د.زويل والجوافة

د.زويل والجوافة

كنت في السنة الثالثة بكلية التربية ملتحقا بذلك القسم العجيب "طبيعة وكيمياء"- لاحقا سيصبح كل من الطبيعة والكيمياء قسما منفصلا بعدما اكتشفوا أن الجمع بينهما في المعامل والمدرجات حرام..علما!-عندما فاز د.أحمد زويل بجائزة نوبل في الكيمياء، حينها ظهر العالم الكبير في العديد من البرامج التليفزيونية، واستشعر الملايين كيف أنه ابن بلد حقيقي رغم كل سنوات الغربة، وكيف أنه يتمتع بتواضع العلماء كما تقول الكتب، وقتها أصبح د.زويل حلما ومثالا ونجما لكل طلاب أقسام الكيمياء، حتى أنا رغم كون علاقتي مع الكيمياء لم تكن "حلال" قط، إذ لم ينس أحدنا للآخر- أقصد الكيمياء وأنا- أني دخلتها "غصبا" و"مجموعا" في الثانوية العامة وليس عن قصة حب تذوب في هوى بيكربونات الصوديم!
وكانت والدتي- أطال الله في عمرها وبراءتها- كلما رأت د.زويل في التليفزيون، تحفزني على الاجتهاد والمثابرة حتى أصبح مثله علما في الكيمياء ينظر له أساتذة في جامعات الدنيا باعتباره الأستاذ الأكبر، داعية الله أن تجمعنى مع د.زويل علاقة ما، ولم أكن أدري أن دعاء أمي الطيبة الحنون سيستجيب له الله بعد عشر سنوات تقريبا، وبطريقة توحي بأن الست الحاجة لم تكن قد توضأت بشكل جيد وقتها!
ذات مساء قريب حينما ظهر د.زويل على شاشة قناة دريم ضيفا على برنامج العاشرة مساء وفي حضرة الإعلاميين منى الشاذلي ومحمود سعد، فوجئت بأكثر من اتصال تليفوني من أصدقاء يقولون لي في فرح وافتخار أن د.زويل ذكر اسم كتابي الأول الذي صدرت طبعته الثانية مؤخرا "الإنسان أصله جوافه" في معرض حديثه عن الكتب التي لفتت انتباه في الفترة الماضية حينما زار مصر. كنت بعيدا عن أي تليفزيون في هذا الوقت، لكن ذلك بالقطع لم يمنع قلبي من الرقص سامبا، ومن أن تلعب روحي الدرامز، وعشت حالى من "الانتعاش الخلوي"- نسبة إلى كل خلايا جسدي-، وغمرني شعور انتعاش استثنائي كأنني خرجت لتوي من دش دافئ برائحة النعناع والكرز، وبدت لي الدنيا حبيبة وقريبة، ورحت أضع لنفسي سيناريوهات بلون الورد حينما اتصل بد.زويل شاكرا وممتنا، وكيف أن الأمر سيتطور حتما إلى "عزومة على الغدا"-تصور أبهة الغذاء مع عالم بدرجة نوبل في الكيمياء-، ومش بعيد أسافر معه أمريكا ليعرفني على "أوباما" شخصيا باعتباره المستشار العلمي له، وحينها عندما يكتشف الرئيس الأمريكي أني "أساهم في تشكيل الوعي الثقافي لجيل بأكلمه في مصر"-عديها دي-، سيخرج مثلما خرج الرئيس بوش في فيلم "معلش إحنا بنتبهدل" ليقول "أعداؤنا في العالم ثلاثة..صدام في العراق وأهو مات.. بن لادن في أفغانستان وأدينا بندور عليه.. ومؤلف كتاب "الجوافة" في مصر" ولازم نخلص عليه!".
لكن شيئا ما- يمكن أن تسميه "الحاسة الفقرية" المتأصلة في الواحد، جعلني غير مطمئن لهذه المرويات التليفونية، شاعرا بأن هناك أمرا غير منطقي، لأنه "اشمعنى كتاب الإنسان أصله جوافه" بالذات؟
ورغم وسوسات "الحاسة الفقرية"، إلا أنني وحتى صباح اليوم التالي عشت ليلة "زويلية" باقتدار، أتصور غلاف الكتاب في طبعته الثالثة- على اعتبار أن الطبعة الثانية ستنفد هوا بمجرد إذاعة البرنامج- وعليه تلك الجملة المثيرة "الكتاب الذي أشاد به د.أحمد زويل"، لكن ذلك لم يمنعني من البحث على اليوتيوب على ذلك المقطع الخالد الذي نطق فيه د.زويل باسم كتابي، وحينما وجدته أخيرا- شكرا للشباب المتحمس الذي رفع الحلقة المهمة فور انتهاءها مباشرة-، وحينما بدأ د.زويل يتحدث عن حالة الانتعاش الأدبي الذي تعيشه مصر وضرب الأمثلة بالكبار بهاء طاهر وعلاء الأسواني وجمال الغيطاني وفاروق جويدة، أقشعر جسدي وقلت لنفسي "رباه.. هل يأتي ذكر اسم كتابي على لسان د.زويل وبعد هؤلاء العظماء؟!"، ثم حدث ما يلي.
كان د.زويل يتحدث عن الكتب المهمة، ثم قال "ولكن مقابل هذا فيه ضعف.. "، ثم مال والتقط ورقة وقرأ منها قائلا " شوف مثلا أسماء بعض الكتب.. مبروك لولو حامل، اعمل عبيط، و.. الإنسان أصله جوافة"!
نطق "جوافة" بلهجة سكندرية أصيلة لم تغادره بعد، نطقها مبتسما ساخرا ومستغربا، نطقها بطريقة جعلتني أشعر بأن عربية بمقطورة- نقل المنيا- محملة بأطنان من حديد التسليح- عز الدخيلة- قد دهستني وفرمتني فرما، هي نفس الطريقة التي جعلت السيدة "منى الشاذلي" لا تتمالك نفسها من القهقهة، ثم قررت أن تطلق إيفيها "أكيد ده.. ها ها.. قصده تطوير بقى لنظرية دارون الإنسان أصله قرد.. هاها"!، وهي معلومة قطعا كانت غائبة عن المشاهدين، الذين كشفت عنهم السيدة منى الشاذلي جهلهم وظلامهم حينما أعلمتهم- بمرح وخفة- بنظرية دارون في النشوء والارتقاء.
أما المخضرم محمود سعد، فاكتفى بابتسامة صغيرة دون أن يعلق، ولعه أدرك بحنكته أن كتاب "اعمل عبيط" من تأليف الشاعر جمال الشاعر، الرئيس السابق لقناة النيل الثقافية، وأن مؤلف كتاب "مبروك لولو حامل" هو الراحل د.سامي هاشم الرئيس التنفيذي لصحيفة العالم اليوم والمستشار الإعلامي السابق لمصر في الكويت.
اللطيف أنه بعد اكتشافي لهذه الحقيقة الزويلية المروعة- بالنسبة لي طبعا-، جاءني أكثر من تليفون من أصدقاء آخرين، وقد فهموا المعنى الأصلي الذي أراده د.زويل من ذكر اسم كتاب "الإنسان أصله جوافة" كمثال "على الكتب الغريبة.. أو السطحية.. يجوز". وأحدهم تحمس وقال لي كان عليك الاتصال بدريم لتدافع عن كتابك، وهو حماس أحسبه زائد طبعا، ليس لأني لم أشاهد الحلقة حينها فحسب، وليس لأنه "مش معايا رصيد أتصل بدريم"، ولكن لأن كل الاتصالات الهاتفية في الحلقة- كما شاهدت على اليوتيوب- كانت للكبار فقط بما يتناسب مع أهمية وقيمة د.زويل، ثم أن هناك خطوات تبدو "خاسرة من بدايتها".. أنت أمام د.زويل.. لمن الغلبة إذن؟، دعك من أني- صدقا- لست من هواة صناعة الزعابيب للترويج لكتاب، وما كتبت هذه السطور إلا –وربنا- تفريجا وتفريغا لـ"الكبسة" وإنزالا لحمولة مقطورة الحديد –عز خليك فاكر- من فوق صدري!
أدرك يقينا -وبشكل جاد جدا- أن عالم بقيمة وأهمية د.زويل لن يجد وقتا لقراءة كتاب اسمه "الإنسان أصله جوافة"، لكني مندهش –وبشكل جاد جدا أيضا- من أن يقيّم عالم بقيمة وأهمية د.زويل كتابا من عنوانه معتبرا أنه- أي الكتاب الذي لم يقرأه- أحد ملامح "الضعف"، لا مشكلة بكل تأكيد لو إنه توصل لذلك اليقين لو قرأه، لكن من العنوان فقط.. هذا أمر يثير الدهشة والاستغراب، ويجعل المرء يتساءل هل كان هذا الحكم "العناويني" سيطول –مع الاحتفاظ بالمسافات والقامات والأهمية- كتبا مثل "الفرافير"، و"لغة الآي أي"، و"أرخص ليال" وجميعها لأمير القصة العربية القصيرة "يوسف إدريس"؟ وهل كان نفس هذا الرأي سيطول كتب الساخر الأعظم "محمود السعدني" التي تحمل عناوينا مغايرة مثل "ابن عطوطة"، و"حكايات قهوة كتكوت"، و"وداعا للطواجن" مع التأكيد –الذي يفرضه العقل والمنطق بطيبيعة الحال- على أنه لامقارنة هنا مطلقا بين ما اكتبه وماكتبه هؤلاء الكبار الخالدين؟!
ثم ماذا؟
لاشئ طبعا، واحد "مكبوس" وبيطلع "كبسته" في الكتابة ليس أكثر، سيظل د.زويل رمزا وقيمة وعالما حقيقيا من زمن أينشتين، وسيظل كتاب "الإنسان أصله جوافة" موجودا في المكتبات، الواحد بس مش صعبان عليه سوى الصورة التي كان سيلتقطها مع أوباما في البيت الأبيض!


الأربعاء، يوليو 01، 2009

غريب في بيتي

غريب في بيتي

في كل مرة أضع فيها المفتاح في باب الشقة واسمع التكة المميزة "كليك" ثم أدخل بقدمي اليمين إلى الداخل المظلم دائما، ينتابني إحساس بأن هناك "شيئا ما" في انتظاري!، ولهذا –دوما-كنت أضع يدي بشكل تلقائي وغريزي وسريع على زر النور المجاور للباب، وفور أن يغشي ضوء النيون المكان أتأمل الأرضيات والحوائط بتركيز شديد، حتى إذ تأكدت من أنه "هيييه .. مافيش حاجة"، أتحرك إلى حجرة النوم مكررا السيناريو إياه، ناظرا بدقة إلى السرير الذي أتوقع كل يوم أني سأجد "مسخا" مستلقي عليه واضعا قدما على قدم يتسلى بقضم كوز ذرة في انتظار عودتي!
حجرة النوم نظيفة بدورها.. حسنا هذا دور الثلاجة!، لاتندهش أرجوك وما الذي يضمن لي أن تلك الثلاجة الـ9 قدم لاينحشر بداخلها كائن ثلجي خرافي يأكل البطيخ منتظرا تلك اللحظة التي أفتح فيها باب الثلاجة في بلاهة حتى ينقض علي!
تمام.. الثلاجة نظيفة هي الأخرى من أي كائنات أو أرواح شرير.. الحمام كذلك.. إلى المطبخ إذن لإعداد وجبة عشاء سريعة.. دعك من مقولات الحفاظ على رشاقة الجسد والكوابيس التي تهاجم من يأكل قبل النوم مباشرة.. كل هذا هراء وكيانات هشة تتهاوى أمام سطوة الطعام.. الطعام!..لابد أن من اخترع الريجييم هذا شخص كان يعاني من خلل هرموني يجعله يأكل بالأطنان ولايزيد وزنه.. أين نور المطبخ.. تمام.. هذا طبق الـ... ثواني كده.. ما هذا الكائن الذي يزحف على أرضية المطبخ بتؤده وكأنه في نزهة خلوية؟!
أتراجع إلى الخلف في فزع حقيقي.. أسخف ما في الأشياء المرعبة أنها تظهر لك وأنت مطمئن غير مستعد لأي خيانات.. .. هناك مشكلة أخرى.. هو ده إيه؟ بما أننا في مصر ولسنا في إحدى غابات إفريقيا، الزواحف المتاحة في البيوت المصرية تقف عند مرحلة "البرص".. لكن برص بهذا الحجم العائلي كيف فات على حماس محرري "جينيس" المعتاد؟
برص أو شبمانزي متنكر، المهم أن هذا الكائن في بيتي الآن.. في مطبخي حضرتك.. وأنا بمفردي في الشقة كلها ومن الصعب أن أصعد إلى الجيران في الثانية صباحا لأطلب منهم المساعدة في قتل كائن أشبه بالبرص! وأخي باسم –ذلك الشاب الجسور المغوار- الذي اعتاد أن ينقذني في مثل هذه المواقف العصيبة يغط في نومه الآن على بعد 140 كيلو مترا بالتمام والكمال، في نفس الوقت من الصعب- صعب إيه.. مستحيل- أن أطفأ الأنوار وأتسلل إلى سريري في هدوء لأنام مطمئن البال وأنا أعلم أن هناك "شيئا ما مرعبا" في المطبخ.. وأنا إيه اللي يضمن لي أنه مايزهقش من المطبخ ويقرر أنه يقضي الصيف كله في أوضة نومي باعتبارها الوحيدة البحري في الشقة وملحق بها مروحة توشيبا 3 ريشة!
مابدهاش.. على المرء أن يقهر مخاوفه يوما ما.. يبدأ "البرص"- مشيها برص- في ممارسة هوايته السخيفة.. يتجول على الحائط ثم عندما يستشعر وجودي ونيتي يختفي وارء الأنبوبة.. يثير هذا أعصابي أكثر.. أغلق باب المطبخ خلفي وأنا أحمل السلاح الوحيد المسموح به في هذه المعركة.. المقشة طبعا وما تكون؟ لكني أكره وأخاف البرص فعلا.. هذا كائن "مايع".. شكله مخيف لكنه يقولون بأنه غير ضار طول الوقت.. الفأر مثلا صريح.. يمكنني أن أواجهه وأنا على يقين بأنه شرير.. شكله وأفعاله تقول هذا.. إنما البرص؟
ماعلينا.. وشعر جسدي يقف- الموقف مرعب فعلا بالنسبة لي.. هذه أول مرة وأنا اخطو بثقة نحو الثلاثين من العمر التي أواجه فيها بمفردي برصا.. ده إذ كان برص أصلا!- أركل الأنبوبة في عنف.. وارد أن تنفجر طبعا بهذه الحركة الخرقاء لكني سأكون قد قتلت البرص!
يظهر الخبيث متحركا في سرعة لاتتناسب مع حجمه الضخم.. يتحرك على الجدار من جديد.. ثم يسقط بشكل بدا عفويا على الأرض.. أتراجع مفزوعا.. ثم أجمع كل طاقتي وشجاعتي وأرتفع بالمقشة إلى أعلى أعلى وأهوى بها على جسده وأنا أصرخ بشكل هيسيتيري وكأن كل مخاوفي وانكساراتي وهزائمي والأشياء التي أكرهها قد تجمعت في هذا الكائن.. أضرب بعنف وغلظة لم أعرفها من قبل.. يمارس حركة المرواغة المعتادة بأن ينفصل ذيله عن جسده- حمدا لله.. هذا سلوك برص مصري أصيل!- لكن لا أهتم.. أهوى على جسده وأنا لا أزال أصرخ حتى يهمد تماما في قلب المطبخ.
أتأمل أرض المعركة وأنا أتصبب عرقا.. انتبه إلى أن صوت صراخي الهيسيتيري كان مرتفعا لدرجة لابد أنها أقلقت الجيران وأشعرتهم بأني أحارب ديناصور حقيقي، أو أني أدافع عن شرفي أمام مجموعة من السكارى الذين اختلط عليهم الذكر بالأنثى! أتامل جثة القتيل غير مصدق تماما- ربما حتى هذه اللحظة- أني فعلتها وهزمت مخاوفي التي تعيش معي منذ مايقرب من ثلاثين عاما تجاه هذا الكائن.
يبدأ الجزء المقزز في العملية.. التخلص من الجثمان.. وأنا أحمله من خلف ألف ورقة جريدة وألف كيس .. يبدو ملمسه لزجا كريها.. أضعه في كيس ضخم وأهبط به مهرولا إلى صندوق القمامة المواجهة للمنزل- لابد أن هذا مقصود طبعا.. أن تطل بلكونتك على الزبالة ..هذه شاعرية غير مسبوقة- ألقي به وإلى جواره المقشة- رمز الانتصار- ثم أعود مهرولا وأنا أنظر خلفي قلقا من أن يكون كائن خرافي لايموت أبدا.
أنا الآن في قلب المطبخ.. أتأمل الفوضى التي خلفتها المعركة الرهيبة.. من له رغبة الآن في الأكل.. لابد أن من اخترع الريجييم هذا كان لديه برصا ضخم الحجم في المطبخ.. بعض من الماء.. أتأمل ملامحي في المرآة.. والله براوة عليك يابطل.. وأنا مستلقي على السرير رحت اسأل نفسي.. ترى ..هل من الضروري أن أكون وحيدا في مواجهة الخوف حتى انتصر عليه؟

الاثنين، مايو 18، 2009

النهارده عيد ميلادي

النهارده عيد ميلادي
النهارده عيد ميلادي
ماشي!
إيه الجديد طيب
نفس السيناريو
مع اختلاف الكادر
ومقاس الهدوم
وبرضه وحدي
لا حد فاكر السنة
ولا اليوم
طب ع العموم
كل سنة ...
وأنا طيب..

من ديوان "بس مباشر" للشاعر الجامد جدا والموهوب بشدة وبعنف"كامل كمال" الذي يصدر قريبا عن دار اكتب

السبت، أبريل 04، 2009

إنت عمري

إنت عمري


لما اقتربت الساعة من الحادية عشر مساء، وجدتني تلقائيا أحرك مؤشرا الراديو وابحث عنها بكل اهتمام، رغم أن هوايا ليس كلثومي الطابع مطلقا، إلا أنني بعدما -تخطيت الربع قرن وحتة- ضبط نفسي متلبسا بالاستمتاع إلى الست بين يوم وآخر كلما هل صوتها عبر إذاعة الأغاني مساء كل ليلة.
عرفت أم كلثوم بالمزيكا أولا، إذ نمى وعيي الموسيقي- إن كان لدي وعيا أصلا!- في التسعينات على يد عازف الساكس الموهوب الشهير "سمير سرور"، كان الرجلا فنانا محترفا بحق، قدم توزيعا جديدا لمجموعة من أجمل أغنيات عصر الأبيض والأسود، كان فيها "الساكس" هو البطل، في الجزء الرابع من هذه السلسلة قدم ألبوما كاملا وخاصا بأغاني "أم كلثوم"، موسيقى خالصة صافية "بيور"، جعلني رحيقها الفتان أبحث عن الأغنيات الأصل، بعدما سحرتني موسيقى إنت عمري وفات الميعاد وألف ليلة وليلة حتى لو كانت بلمسة عصرية.
في هذه الليلة، كان المذيع يبشرنا بأننا في الخميس الأول من الشهر، ولأننا هكذا فإن إذاعة الأغاني ستكافئنا بحفل نادر للست،أما الحفل فهو ما أطلق عليه "لقاء السحاب" عندما جمع الغنا بين نجوم ذلك الزمان "أم كلثوم" و"محمد عبد الوهاب" وبينهما الشاعر الذي يكتب بمداد من القلب مباشرة "أحمد شفيق كامل"، كان صوت المذيع فيه فخرا لافتا لأنه يقدم لنا الحفل الذي غنت فيه أم كلثوم رائعتها "إنت عمري" لأول مرة يوم 6 فبراير 1964 على مسرح حديقة الأزبكية "هكذا نطقها وهكذا حفظتها دون جهد".
لم يكتف المذيع بذلك، وإنما قال أن مايضفي جمالا فائقا على هذه السهرة الاستثنائية هو أن من يقدم الحفل – قبل 45 عاما- هو الإعلامي الكبير الراحل "جلال معوض"، وعلى من يريد أن يسجل هذا الحفل النادر أن يستعين بشرائط كاسيت تقترب سعتها من الساعتين والثلث!
كنت احاول استيعاب الزمن "ساعتين وثلث"؟ عندما لكزني المذيع بالثانية "وهذا هو عمر الوصلة الثانية التي غنتها السيدة أم كلثوم في هذه الليلة من أصل ثلاث وصلات!".
وجدت نفسي تلقائيا أقارن بين "نفس" الجيل الجديد الغنائي وهو يقدم ألبوما كل عام أو أكثر مجموع دقائقه لايتجاوز الستين أغلب الأحيان، وبين وصلة الست الثانية التي تتجاوز ساعتين من أصل ثلاث وصلات، فلم أعد أعرف هل كان أهل زمان يمتلكون الصحة والبال الرائق والوقت الخاوي أم أننا- أبناء هذا الجيل مقصوف الرقبة- الذين لا"نستطعم" الفن الحقيقي ولا نبتلع سوى الغنا المغطى بالكاتشب والمايونز سريع الهضم؟
ربك والحق، فور أن بدأ التسجيل النادر في الانسياب عبر الأثير، شعرت بأنني انتقلت توا إلى حديقة الأزبكية في سنوات الستينيات البعيدة القريبة رغم أني في هذه اللحظة بالذات كنت أعيش جو القرن الحادي والعشرين وأسير في طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي في جو ساكن به لمسة برودة محببة، كان صوت "جلال معوض" الوقور العذب العميق كأنه قادم من بئر مياه سلسبيل، يشعرني بأننا في حضرة كشف علمي مثير، أو كأننا نجلس في انتظار رجل دين يأتينا ببشارة تطهرنا من الآثام، وعندما ظهرت الست على المسرح- أحسب أني رأيتها أمامي في هذه اللحظة- تهدج صوته، وانزوى خلف صوت التصفيق الذي يتردد في الأذن وكأنه عزف سيمفوني.. ثم بدأت الأوركسترا في الدندنة بذلك التمهيد الذهبي الشهير لـ"إنت عمري".. تتن..ترن.. تتن..ترن.. ترررن. ..تاتا!
كانت هذه هي المرة الأولى التي تصافح فيه إذن الجماهير تلك الموسيقى الخارقة، وهكذا لم تكد تلك الاستهلالة تنتهي حتى انطلق التصفيق والهتاف والصفافير غير مصدقة أن الحلم المستحيل قد تم فعلا وأن أم كلثوم ستغني على لحن عبد الوهاب.
ستعيد الفرقة الموسيقية عزف ذلك التمهيد مرة واثنتين وثلاثة وأنت- ياللعجب- مستمتع دون أي ذرة إملال، حتى جاءت اللحظة التي غابت فيها الموسيقى واستكانت ووقفت أم كلثوم من كرسيها المقدس لتشدو، لاتسألني كيف رأيتها تقف الآن رغم أني استمتع إلى الراديو على بعد عشرات السنوات، صوت التصفيق الذي استمر لمايقرب من 45 ثانية متصلة بنفس الحدة والقوة والحماس يؤكد ذلك، ستجلس أم كلثوم ثانية وكأنها تتدلل على الجمهور الذي سيجلس بدوره لنعود إلى "..تتن.. ترن.. تتن..ترن..ترررن"!، ثم تقوم مجددا من على مقعدها فيلتزم الجمهور بالصمت هذه المرة تأدبا وشوقا ولهفة فتكافئه الست قائلا بصوتها الذي تعرف جيدا أن مدهون بطمي النيل ومعطر بالتمر حنة "رجعوني عينيك....".. آه.. ياست.. لأيامي اللي فاتوا!

خارج السطور: يوم الثلاثاء القادم 7 أبريل 2009 ينظم المركز الدولي للتنمية الثقافية حفل توقيع ثلاثي يضم كتب "من غلبي" لحسام مصطفى و"بحب السيما" لنانسي حبيب و "الحالة ميم" لصاحب هذه المدونة المسكينة، العنوان لمن سيشرفنا بالحضور أو من سيفضل إرسال بوكيهات الورود أو علب الشوكلاتة الفاخرة أو الاثنين معا- أنت وميزانيتك بقى- هو 17 شارع السد العالي من ميدان فيني الدقي، أقرب محطة مترو محطتي الدقي والأوبرا، والحفل سيبدأ في السادسة مساء إن شاء الله.. في الانتظار.

الاثنين، مارس 16، 2009

ثلث واحد

ثلث واحد


لم يكن هذا مدهشا بالنسبة لي، ربما يثير دهشتكم أنتم أما أنا فلا، أصله بأمارة إيه يعني!
أتحدث هنا عن ذلك التسجيل التليفزيوني الفريد الذي تم بين كاتب هذه السطور وبرنامج مساءك سكر زيادة في قناة أو تي في، المسئولون في القناة مشكورون سلموني- وعرق وتوتر الظهور على الهواء لم ينته بعد- نسخة محترمة من الفقرة على سي .دي شيك ولطيف وابن حلال، ولأني فهلوي فقد ظننت أن مسألة رفع الفقرة على اليوتيوب أسهل من رفع الفاعل بالضمة، لكني فوجئت بتعقيدات- أو هكذا تصورتها- أولها أنه لابد من تقطيع الفقرة التي امتدت إلى 25 دقيقة إلى ثلاثة أجزاء، ولأني "بأزهق بسرعة"- وهذا تعبير ألطف من أني مش بفهم حاجة في التكنولوجيا!- ملت على الصديقة المظلومة دوما نانسي حبيب وطلبت منها أن تقوم بعملية التقطيع الجراحية وأن تتولى رفع الفقرة مقسمة على اليوتيوب، ورغم أني عهدت نانسي ذكية وألمعية وتتمتع بإصرار غريب على إنجاز كل الأمور مهما بدت مستعصية إلا أنها- المسكينة- بعدما جربت مايقرب من 21335 طريقة لتقطيع الفقرة ورفعها على اليوتيوب انتهى الأمر بأنها نجحت في رفع الجزء الأول فقط من الفقرة!، أما الجزءان الباقيان فقد أصابتهما لوثة عقلية حيث يدور شريط الصوت عاديا متناسقا فيما تظهر على الشاشة صورة الجزء الأول!
نهايته.. وإلى أن يفك الله أسر الأجزاء المتبقية من الفقرة الحلزونية إليكم الجزء الأول- وربما الوحيد- من فقرة إحدى حلقات برنامج أو تي في التي ناقشت كتابي "الحالة ميم"".. هذه فرصة طبعا لمن شاهد الفقرة من قبل على التليفزيون أن يشاهد جزءها الأول على الكمبيوتر – ما أعرفش فرصة في إيه بس أكيد فرصة يعني!-، ثم أنها فرصة أخرى لمن فاتهم مشاهدة الفقرة تليفزيونيا أن يشاهدوا الجزء الأول منها فقط، وهذا – حقا- أطيب وأفضل لهم لأني بدأت أمارس فضيلة السرحان والبحث عن المرادفات بدءا من الجزء الثاني!
أعزائي المشاهدين.. سهرة ممتعة!
http://www.youtube.com/watch?v=Z8E8fz_RU-g