من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

السبت، يونيو 16، 2007

مانجو

مانجو
كنت انتوي أن أكتب عن ذلك اليوم العذب الذي قضيته في السيدة زينب والساعات الساحرة التي استمتعت بها في قصر محمد علي الخلاب إلا أن قصتي هذه مع المانجو فرضت نفسها فرضا وألحت علي لكتابتها كما يفعل - في لزوجة- الأطفال الصغار وهم يشدون قميصك في قوة قائلين : عمو عمو عاوزين شوكلاتة... فتجيب لهم شوكلاتة وأحكي أنا

***

قبل تلك الواقعة بيومين قابلت رجل صعيدي في الشارع بالقرب من عملي يحمل قفصا فيه ثمار مانجو تبدو من خضارها الفاقع أنها مقطوعة للتو من شجرها، ولما كنا لا نزال في أوائل شهر يونيو حيث لا مانجو في هذا التوقيت أبدا، قلت لعلها تهيؤات ولعلها فاكهة أخرى تأخذ شكل المانجو وهي ليست كذلك على سبيل التمويه يعني!، والشاهد أني فعلت ذلك حتى أوفر على نفسي الفلوس التي سأدفعها في المانجو التي أضعها باقتدار وتبجيل وتوقير في قائمتي لـ "ذا بيست فروتس".. وعدى الإغراء والحمد لله..لكنها ثمرة خبيثة فيما يبدو.. إذ فوجئت بها تستقبلني بنفس الخضار المغري الجذاب في قرية لا اتذكر اسمها- من حسن حظها أهلها طبعا!- بالقرب من أجا وأنا في طريقي الأسبوعي من القاهرة لشربين.. كان الإغراء صعب مقاومته هذه المرة.. وقلت لنفسي "طالما طلعت لك كده مرتين في يومين بس يبقى لازم تشتري.. وطالما كانت موجودة في القاهرة وأجا في وقت واحد يبقى أكيد الموسم بتاعها اتغير وبقى بييجي في أول يونيو.. اشمعنى دي يعني اللي مش هتغير ميعادها.. ما البلد كلها ماشية كده.. وأنا نفسي مواعيدي مش مظبوطه صحيح مش معقولة اعطي ميعاد لحد في شهر يوليو فأجي له في شهر يونيو.. بس معلهش يا أخي.. دي مانجه".
أركن السيارة بجوار محل الفاكهة الذي تجلس فيه سيدتان ظلت إحداهما على وضعها تخرط قشر البطيخ بدقة شديدة لتعد وجبة دسمة لبط ملظلظ يتحرك بجوارها في نشاط، بينما قامت الثانية من مرقدها وهي تقول لي :"أوامرك يا أستاذ".. أقول لها مقاوما النظر إلى المانجو حتى لا أقع تحت تأثير سحرها الأخاذ:
"عاوز2 كيلو خوخ"
ثم وهي تزنه اقترب كالمفتون تجاه المانجو وأمسك إحداهما "حلوة خلاص شكلها يجنن الصراحة"، تنتبه إلى خطوتي المجنونة هذه التي لا يمكن أن تفوت هكذا على أي بائع محترف لتبادرني قائلة: "مانجه عسل.. لسه جاية من الإسماعيلية".
إسماعيلية!.. خلاص كده اعلنت استسلامي وانهارت كل سدود مقاومتي.. قلت لها:
"وبكام الكيلو"
قالت بابتسامة تحمل معنى "شكلك هيبقى وحش قوي لو سألت عن السعر وما اشترتش": 15 جنيه.. أوزن لك كام؟
أفزعني الرقم لدرجة أني وضعت ثمرة المانجو التي أمسكتها بجوار شقيقتها في سرعة وكأنها تحولت إلى ثعبان سام قبل أن تنقح على كرامتي وبرستيجي الذي تصنعه لي سيارتي الـ128- عارف أنت البرستج بتاع الـ128 ده!- ، بالإضافة إلى تصوري إلى منظري عندما أدخل على أسرتي بمانجو في منتصف شهر يونيو "لأ حركة روشة برضه"، فأقول لها القرار الذي لا اعرف كيف واتتني الجرأة لأتفوه به:
طب أوزني لي كيلو ونص..
ثم لأريح ضميري المتشكك وجيبي الذي اسمعه وهو يغني ظلموه اسألها:
"بس حلوة فعلا"
تؤكد في ثقة وهي تضع المانجو فوق الميزان:
"عسل"

***

كنا قد انتهينا من تناول طعام الغذاء حينما قلت لهم في لهجة من يلقي المفاجأة "يالا بقى عشان ناكل المانجه.. " وعندما رأيت ملامح الاندهاش على وجوههم ، قلت أنزل بالتقيلة بقى "أيوة أصل أنا اشتريت مانجه"، ولما لم أجد تأثيرا كبيرا عليهم، قمت من مكاني وأحضرت حبات المانجو الخضراء اللامعة- خليك فاكر-، ودعوت الجميع إلى أن يبدأ الحفل..
ولأني من اشتراها بفلوسه فكان لابد أن يتنازل الجميع عن الشرف ويجعلوني اختار أكبر الثمار حجما، ثم وقد أحضرت السكينة البرازيلية الأصيلة وأخذت وضع "من يأكلون المانجو"، وبرفق أخذت أقطع الثمرة حتى فوجئت بأن السكينة قطعتها إلى نصفين متساويين دون أن أشعر بأني مررت على النواة التي تحتل عادة مكانها في منتصف المنجاية.. أقول لنفسي لعلها نوع جديد مستحدث بلا بذر أو نوى تيسيرا على المواطنين.. لكن هل يشمل العرض أيضا أن يكون لونها من الداخل أبيض وهي التي كانت منذ أن ظهرت للوجود تتمتع بلون أصفر محبب؟
ثم اكتشف الحقيقة المفزعة القاتلة
هناك نوى بالفعل لكنه لم تنضج بعد لهذا مر فيها السكين بهذه السهولة الخارقة.. ولونها من الداخل أصفر فعلا لكن هذا ما سيحدث بعد ما يزيد عن شهر إن شاء الله- ربنا يديك ويدينا طولة العمر- حينما تستوي على الآخر وتصبح ثمرة مانجو بحق وحقيق تخرجت من الجامعة وليست كما هي الآن ثمرة مانجو هزيلة لاتزال في "كي جي تو".
طب ياجماعة ما جايز المنجاية دي بس اللي عاملة مخالفة كده و الباقي زي الفل إن شاء الله
نجرب..
إحم.. كلهم كده.. ها ها ها ها.. دي حاجة لطيفة فعلا
ثم يدور الحوار الراقي
" وهو فيه حد أهبل برضه يشتري مانجه في يونيو"
"أمال عارضينها للبيع ليه بس في المحلات"
"عشان الهبل اللي زيك يشتروها"
"بس غريبة أنا ما شفتش عليها يافطة بتقول أنها معروضة للمجانين بس
"هتلاقيها موجودة بس مستخبية.. وبكام الكيلو منها على كده"
"إحم.. لأ مش غالي.. سبعة جنيه بس"
طب كويس أنها جت على قد كده
"آه الحمد لله.. بس لما أشوفها بس.. ده قالت لي عسل يا أستاذ عسل"
"هي مين دي"
"لأ مافيش.. بس الخوخ حلو بقى ..صح؟"

***

لست من هواة تحميل الأمور أكثر مما تحتمل.. بس أموت وأعرف السر الذي جعل سيدة المانجو تخدعني وتؤكد لي بأنها عسل يا أستاذ عسل.. طب ليه.. ما الذي ستستفيده يعني.. ولماذا يشعر بعض أو كثير من المصريين بالسعادة لما يخدعوا أقرانهم.. والسؤال الأهم هي المانجه- اللي فيها نوى ولونها أصفر من جوه- بتطلع امتى