من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

الأحد، فبراير 28، 2010

للإسكندارنية فقط

للإسكندارنية فقط
هل هناك أجواء أفضل من الرعد والبرق والمطر الذي يتحول إلى ثلج أحيانا لزيارة الإسكندرية؟
هذا وقتها إذن، خاصة بعد النجاح "المروع" الذي حققته حفلة التوقيع الأولى التي أجريت في معرض القاهرة للكتاب قبل شهر تقريبا، ولم يحضرها سوى خمسة من الأصدقاء وسيدة عجوز- يبدو أنها كانت تبحث عن كتب للطبخ وضلت طريقها- طلبت مني بشجن أن أوقعها له نسخة من كتاب "ورد وبصل"!
هي نفس الحفلة- المبهجة- التي بسببها نزلت من البيت بملابس جديدة لانج، فنسيت المحافظة- وبداخلها البطاقة والرخصة وكل ما يثبت أن أنا هو أنا-، ومعها كل الفلوس- التي تثبت أني أنال راتبا شهريا ملظلظا- ماتفكرنيش أرجوك- من الدستور.
هي ذات الحفلة - المفرحة- التي كنت جالسا فيها على كرسي يليق بقهوة "حسونة" حينما لمحت أحد الأصدقاء مقبلا بشوشا فقمت متحمسا للترحيب به، في نفس اللحظة التي برز فيها من الكرسي مسمار صلبا أصيلا لـ"ينتش" البنطلون من الخلف في لحظة قاسية يشعر فيها المرء بأن "بلا غطاء".
حسنا، لكل ما فاتهم تلك العروض السابقة، العرض قابل للتكرار في الإسكندرية الحبيبة، يوم الجمعة 5 مارس في تمام الساعة الخامسة عصرا ، في جناح دار دون ودار الكتب بمعرض الإسكندرية للكتاب بأرض كوتة-الوصفة الدقيقة تقول أن جناح دون بجوار جناح تركيا-، حيث حفل توقيع كتابي "الإنسان أصله جوافة" و"ورد بصل"، ومن دواعي السرور والحبور أن صديقي اللدود شريكي في كل المآسي والأتراح وسرادقات العزاء "حسام مصطفى إبراهيم" سيكون إلى جواري في هذا اليوم العصيب ليوقع بدوره على كتابه الجديد- الجميل فعلا - "جر شكل" في نفس الوقت والمكان "لوط" واحد.
آمل أن نلقى هناك- بإذن الله- كل الإسكندارنية الجدعان وأحبائهم وجيرانهم وأخوالهم وأعمامهم وسمعني أحلى سلام لآيس كريم عزة بجوار القلعة وأسماك شعبان في محطة الرمل.

الخميس، فبراير 04، 2010

د.زويل والجوافة

د.زويل والجوافة

كنت في السنة الثالثة بكلية التربية ملتحقا بذلك القسم العجيب "طبيعة وكيمياء"- لاحقا سيصبح كل من الطبيعة والكيمياء قسما منفصلا بعدما اكتشفوا أن الجمع بينهما في المعامل والمدرجات حرام..علما!-عندما فاز د.أحمد زويل بجائزة نوبل في الكيمياء، حينها ظهر العالم الكبير في العديد من البرامج التليفزيونية، واستشعر الملايين كيف أنه ابن بلد حقيقي رغم كل سنوات الغربة، وكيف أنه يتمتع بتواضع العلماء كما تقول الكتب، وقتها أصبح د.زويل حلما ومثالا ونجما لكل طلاب أقسام الكيمياء، حتى أنا رغم كون علاقتي مع الكيمياء لم تكن "حلال" قط، إذ لم ينس أحدنا للآخر- أقصد الكيمياء وأنا- أني دخلتها "غصبا" و"مجموعا" في الثانوية العامة وليس عن قصة حب تذوب في هوى بيكربونات الصوديم!
وكانت والدتي- أطال الله في عمرها وبراءتها- كلما رأت د.زويل في التليفزيون، تحفزني على الاجتهاد والمثابرة حتى أصبح مثله علما في الكيمياء ينظر له أساتذة في جامعات الدنيا باعتباره الأستاذ الأكبر، داعية الله أن تجمعنى مع د.زويل علاقة ما، ولم أكن أدري أن دعاء أمي الطيبة الحنون سيستجيب له الله بعد عشر سنوات تقريبا، وبطريقة توحي بأن الست الحاجة لم تكن قد توضأت بشكل جيد وقتها!
ذات مساء قريب حينما ظهر د.زويل على شاشة قناة دريم ضيفا على برنامج العاشرة مساء وفي حضرة الإعلاميين منى الشاذلي ومحمود سعد، فوجئت بأكثر من اتصال تليفوني من أصدقاء يقولون لي في فرح وافتخار أن د.زويل ذكر اسم كتابي الأول الذي صدرت طبعته الثانية مؤخرا "الإنسان أصله جوافه" في معرض حديثه عن الكتب التي لفتت انتباه في الفترة الماضية حينما زار مصر. كنت بعيدا عن أي تليفزيون في هذا الوقت، لكن ذلك بالقطع لم يمنع قلبي من الرقص سامبا، ومن أن تلعب روحي الدرامز، وعشت حالى من "الانتعاش الخلوي"- نسبة إلى كل خلايا جسدي-، وغمرني شعور انتعاش استثنائي كأنني خرجت لتوي من دش دافئ برائحة النعناع والكرز، وبدت لي الدنيا حبيبة وقريبة، ورحت أضع لنفسي سيناريوهات بلون الورد حينما اتصل بد.زويل شاكرا وممتنا، وكيف أن الأمر سيتطور حتما إلى "عزومة على الغدا"-تصور أبهة الغذاء مع عالم بدرجة نوبل في الكيمياء-، ومش بعيد أسافر معه أمريكا ليعرفني على "أوباما" شخصيا باعتباره المستشار العلمي له، وحينها عندما يكتشف الرئيس الأمريكي أني "أساهم في تشكيل الوعي الثقافي لجيل بأكلمه في مصر"-عديها دي-، سيخرج مثلما خرج الرئيس بوش في فيلم "معلش إحنا بنتبهدل" ليقول "أعداؤنا في العالم ثلاثة..صدام في العراق وأهو مات.. بن لادن في أفغانستان وأدينا بندور عليه.. ومؤلف كتاب "الجوافة" في مصر" ولازم نخلص عليه!".
لكن شيئا ما- يمكن أن تسميه "الحاسة الفقرية" المتأصلة في الواحد، جعلني غير مطمئن لهذه المرويات التليفونية، شاعرا بأن هناك أمرا غير منطقي، لأنه "اشمعنى كتاب الإنسان أصله جوافه" بالذات؟
ورغم وسوسات "الحاسة الفقرية"، إلا أنني وحتى صباح اليوم التالي عشت ليلة "زويلية" باقتدار، أتصور غلاف الكتاب في طبعته الثالثة- على اعتبار أن الطبعة الثانية ستنفد هوا بمجرد إذاعة البرنامج- وعليه تلك الجملة المثيرة "الكتاب الذي أشاد به د.أحمد زويل"، لكن ذلك لم يمنعني من البحث على اليوتيوب على ذلك المقطع الخالد الذي نطق فيه د.زويل باسم كتابي، وحينما وجدته أخيرا- شكرا للشباب المتحمس الذي رفع الحلقة المهمة فور انتهاءها مباشرة-، وحينما بدأ د.زويل يتحدث عن حالة الانتعاش الأدبي الذي تعيشه مصر وضرب الأمثلة بالكبار بهاء طاهر وعلاء الأسواني وجمال الغيطاني وفاروق جويدة، أقشعر جسدي وقلت لنفسي "رباه.. هل يأتي ذكر اسم كتابي على لسان د.زويل وبعد هؤلاء العظماء؟!"، ثم حدث ما يلي.
كان د.زويل يتحدث عن الكتب المهمة، ثم قال "ولكن مقابل هذا فيه ضعف.. "، ثم مال والتقط ورقة وقرأ منها قائلا " شوف مثلا أسماء بعض الكتب.. مبروك لولو حامل، اعمل عبيط، و.. الإنسان أصله جوافة"!
نطق "جوافة" بلهجة سكندرية أصيلة لم تغادره بعد، نطقها مبتسما ساخرا ومستغربا، نطقها بطريقة جعلتني أشعر بأن عربية بمقطورة- نقل المنيا- محملة بأطنان من حديد التسليح- عز الدخيلة- قد دهستني وفرمتني فرما، هي نفس الطريقة التي جعلت السيدة "منى الشاذلي" لا تتمالك نفسها من القهقهة، ثم قررت أن تطلق إيفيها "أكيد ده.. ها ها.. قصده تطوير بقى لنظرية دارون الإنسان أصله قرد.. هاها"!، وهي معلومة قطعا كانت غائبة عن المشاهدين، الذين كشفت عنهم السيدة منى الشاذلي جهلهم وظلامهم حينما أعلمتهم- بمرح وخفة- بنظرية دارون في النشوء والارتقاء.
أما المخضرم محمود سعد، فاكتفى بابتسامة صغيرة دون أن يعلق، ولعه أدرك بحنكته أن كتاب "اعمل عبيط" من تأليف الشاعر جمال الشاعر، الرئيس السابق لقناة النيل الثقافية، وأن مؤلف كتاب "مبروك لولو حامل" هو الراحل د.سامي هاشم الرئيس التنفيذي لصحيفة العالم اليوم والمستشار الإعلامي السابق لمصر في الكويت.
اللطيف أنه بعد اكتشافي لهذه الحقيقة الزويلية المروعة- بالنسبة لي طبعا-، جاءني أكثر من تليفون من أصدقاء آخرين، وقد فهموا المعنى الأصلي الذي أراده د.زويل من ذكر اسم كتاب "الإنسان أصله جوافة" كمثال "على الكتب الغريبة.. أو السطحية.. يجوز". وأحدهم تحمس وقال لي كان عليك الاتصال بدريم لتدافع عن كتابك، وهو حماس أحسبه زائد طبعا، ليس لأني لم أشاهد الحلقة حينها فحسب، وليس لأنه "مش معايا رصيد أتصل بدريم"، ولكن لأن كل الاتصالات الهاتفية في الحلقة- كما شاهدت على اليوتيوب- كانت للكبار فقط بما يتناسب مع أهمية وقيمة د.زويل، ثم أن هناك خطوات تبدو "خاسرة من بدايتها".. أنت أمام د.زويل.. لمن الغلبة إذن؟، دعك من أني- صدقا- لست من هواة صناعة الزعابيب للترويج لكتاب، وما كتبت هذه السطور إلا –وربنا- تفريجا وتفريغا لـ"الكبسة" وإنزالا لحمولة مقطورة الحديد –عز خليك فاكر- من فوق صدري!
أدرك يقينا -وبشكل جاد جدا- أن عالم بقيمة وأهمية د.زويل لن يجد وقتا لقراءة كتاب اسمه "الإنسان أصله جوافة"، لكني مندهش –وبشكل جاد جدا أيضا- من أن يقيّم عالم بقيمة وأهمية د.زويل كتابا من عنوانه معتبرا أنه- أي الكتاب الذي لم يقرأه- أحد ملامح "الضعف"، لا مشكلة بكل تأكيد لو إنه توصل لذلك اليقين لو قرأه، لكن من العنوان فقط.. هذا أمر يثير الدهشة والاستغراب، ويجعل المرء يتساءل هل كان هذا الحكم "العناويني" سيطول –مع الاحتفاظ بالمسافات والقامات والأهمية- كتبا مثل "الفرافير"، و"لغة الآي أي"، و"أرخص ليال" وجميعها لأمير القصة العربية القصيرة "يوسف إدريس"؟ وهل كان نفس هذا الرأي سيطول كتب الساخر الأعظم "محمود السعدني" التي تحمل عناوينا مغايرة مثل "ابن عطوطة"، و"حكايات قهوة كتكوت"، و"وداعا للطواجن" مع التأكيد –الذي يفرضه العقل والمنطق بطيبيعة الحال- على أنه لامقارنة هنا مطلقا بين ما اكتبه وماكتبه هؤلاء الكبار الخالدين؟!
ثم ماذا؟
لاشئ طبعا، واحد "مكبوس" وبيطلع "كبسته" في الكتابة ليس أكثر، سيظل د.زويل رمزا وقيمة وعالما حقيقيا من زمن أينشتين، وسيظل كتاب "الإنسان أصله جوافة" موجودا في المكتبات، الواحد بس مش صعبان عليه سوى الصورة التي كان سيلتقطها مع أوباما في البيت الأبيض!