من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

الأربعاء، يوليو 01، 2009

غريب في بيتي

غريب في بيتي

في كل مرة أضع فيها المفتاح في باب الشقة واسمع التكة المميزة "كليك" ثم أدخل بقدمي اليمين إلى الداخل المظلم دائما، ينتابني إحساس بأن هناك "شيئا ما" في انتظاري!، ولهذا –دوما-كنت أضع يدي بشكل تلقائي وغريزي وسريع على زر النور المجاور للباب، وفور أن يغشي ضوء النيون المكان أتأمل الأرضيات والحوائط بتركيز شديد، حتى إذ تأكدت من أنه "هيييه .. مافيش حاجة"، أتحرك إلى حجرة النوم مكررا السيناريو إياه، ناظرا بدقة إلى السرير الذي أتوقع كل يوم أني سأجد "مسخا" مستلقي عليه واضعا قدما على قدم يتسلى بقضم كوز ذرة في انتظار عودتي!
حجرة النوم نظيفة بدورها.. حسنا هذا دور الثلاجة!، لاتندهش أرجوك وما الذي يضمن لي أن تلك الثلاجة الـ9 قدم لاينحشر بداخلها كائن ثلجي خرافي يأكل البطيخ منتظرا تلك اللحظة التي أفتح فيها باب الثلاجة في بلاهة حتى ينقض علي!
تمام.. الثلاجة نظيفة هي الأخرى من أي كائنات أو أرواح شرير.. الحمام كذلك.. إلى المطبخ إذن لإعداد وجبة عشاء سريعة.. دعك من مقولات الحفاظ على رشاقة الجسد والكوابيس التي تهاجم من يأكل قبل النوم مباشرة.. كل هذا هراء وكيانات هشة تتهاوى أمام سطوة الطعام.. الطعام!..لابد أن من اخترع الريجييم هذا شخص كان يعاني من خلل هرموني يجعله يأكل بالأطنان ولايزيد وزنه.. أين نور المطبخ.. تمام.. هذا طبق الـ... ثواني كده.. ما هذا الكائن الذي يزحف على أرضية المطبخ بتؤده وكأنه في نزهة خلوية؟!
أتراجع إلى الخلف في فزع حقيقي.. أسخف ما في الأشياء المرعبة أنها تظهر لك وأنت مطمئن غير مستعد لأي خيانات.. .. هناك مشكلة أخرى.. هو ده إيه؟ بما أننا في مصر ولسنا في إحدى غابات إفريقيا، الزواحف المتاحة في البيوت المصرية تقف عند مرحلة "البرص".. لكن برص بهذا الحجم العائلي كيف فات على حماس محرري "جينيس" المعتاد؟
برص أو شبمانزي متنكر، المهم أن هذا الكائن في بيتي الآن.. في مطبخي حضرتك.. وأنا بمفردي في الشقة كلها ومن الصعب أن أصعد إلى الجيران في الثانية صباحا لأطلب منهم المساعدة في قتل كائن أشبه بالبرص! وأخي باسم –ذلك الشاب الجسور المغوار- الذي اعتاد أن ينقذني في مثل هذه المواقف العصيبة يغط في نومه الآن على بعد 140 كيلو مترا بالتمام والكمال، في نفس الوقت من الصعب- صعب إيه.. مستحيل- أن أطفأ الأنوار وأتسلل إلى سريري في هدوء لأنام مطمئن البال وأنا أعلم أن هناك "شيئا ما مرعبا" في المطبخ.. وأنا إيه اللي يضمن لي أنه مايزهقش من المطبخ ويقرر أنه يقضي الصيف كله في أوضة نومي باعتبارها الوحيدة البحري في الشقة وملحق بها مروحة توشيبا 3 ريشة!
مابدهاش.. على المرء أن يقهر مخاوفه يوما ما.. يبدأ "البرص"- مشيها برص- في ممارسة هوايته السخيفة.. يتجول على الحائط ثم عندما يستشعر وجودي ونيتي يختفي وارء الأنبوبة.. يثير هذا أعصابي أكثر.. أغلق باب المطبخ خلفي وأنا أحمل السلاح الوحيد المسموح به في هذه المعركة.. المقشة طبعا وما تكون؟ لكني أكره وأخاف البرص فعلا.. هذا كائن "مايع".. شكله مخيف لكنه يقولون بأنه غير ضار طول الوقت.. الفأر مثلا صريح.. يمكنني أن أواجهه وأنا على يقين بأنه شرير.. شكله وأفعاله تقول هذا.. إنما البرص؟
ماعلينا.. وشعر جسدي يقف- الموقف مرعب فعلا بالنسبة لي.. هذه أول مرة وأنا اخطو بثقة نحو الثلاثين من العمر التي أواجه فيها بمفردي برصا.. ده إذ كان برص أصلا!- أركل الأنبوبة في عنف.. وارد أن تنفجر طبعا بهذه الحركة الخرقاء لكني سأكون قد قتلت البرص!
يظهر الخبيث متحركا في سرعة لاتتناسب مع حجمه الضخم.. يتحرك على الجدار من جديد.. ثم يسقط بشكل بدا عفويا على الأرض.. أتراجع مفزوعا.. ثم أجمع كل طاقتي وشجاعتي وأرتفع بالمقشة إلى أعلى أعلى وأهوى بها على جسده وأنا أصرخ بشكل هيسيتيري وكأن كل مخاوفي وانكساراتي وهزائمي والأشياء التي أكرهها قد تجمعت في هذا الكائن.. أضرب بعنف وغلظة لم أعرفها من قبل.. يمارس حركة المرواغة المعتادة بأن ينفصل ذيله عن جسده- حمدا لله.. هذا سلوك برص مصري أصيل!- لكن لا أهتم.. أهوى على جسده وأنا لا أزال أصرخ حتى يهمد تماما في قلب المطبخ.
أتأمل أرض المعركة وأنا أتصبب عرقا.. انتبه إلى أن صوت صراخي الهيسيتيري كان مرتفعا لدرجة لابد أنها أقلقت الجيران وأشعرتهم بأني أحارب ديناصور حقيقي، أو أني أدافع عن شرفي أمام مجموعة من السكارى الذين اختلط عليهم الذكر بالأنثى! أتامل جثة القتيل غير مصدق تماما- ربما حتى هذه اللحظة- أني فعلتها وهزمت مخاوفي التي تعيش معي منذ مايقرب من ثلاثين عاما تجاه هذا الكائن.
يبدأ الجزء المقزز في العملية.. التخلص من الجثمان.. وأنا أحمله من خلف ألف ورقة جريدة وألف كيس .. يبدو ملمسه لزجا كريها.. أضعه في كيس ضخم وأهبط به مهرولا إلى صندوق القمامة المواجهة للمنزل- لابد أن هذا مقصود طبعا.. أن تطل بلكونتك على الزبالة ..هذه شاعرية غير مسبوقة- ألقي به وإلى جواره المقشة- رمز الانتصار- ثم أعود مهرولا وأنا أنظر خلفي قلقا من أن يكون كائن خرافي لايموت أبدا.
أنا الآن في قلب المطبخ.. أتأمل الفوضى التي خلفتها المعركة الرهيبة.. من له رغبة الآن في الأكل.. لابد أن من اخترع الريجييم هذا كان لديه برصا ضخم الحجم في المطبخ.. بعض من الماء.. أتأمل ملامحي في المرآة.. والله براوة عليك يابطل.. وأنا مستلقي على السرير رحت اسأل نفسي.. ترى ..هل من الضروري أن أكون وحيدا في مواجهة الخوف حتى انتصر عليه؟