من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

الأحد، يونيو 29، 2008

يابيروت ياست الدنيا

يابيروت ياست الدنيا

منذ سنوات اكتشفت أني لبناني جدا، أتابع الفن اللبناني باهتمام- الأمر لا يقف عند حدود هيفاء وهبي ونانسي عجرم كما أرى البعض يبتسم في تخابث!- اطلع على الصحف اللبنانية لأتعلم منها كثيرا متذكرا أن الشوام هم أول من صنعوا صحافة في مصر، أبحث في نهم عن المطاعم اللبنانية لاستطعم الفتوش والتبولة والكفتة الخشخاش- كنت مفكرها مخدرات زيك كده في الأول ثم اكتشفت أنها ليست كذلك للأسف!- سعدت حتى كدت أركب أجنحة مثل عباس ابن فرناس واطير في الفضاء عندما عرفت بأن هناك في لبنان وتحديد على بعد 23 كيلو متر من بيروت بلدة باسم "عبيه"- لقب العائلة المصون لو كنت نسيت الذي عرفت أن يعني بالسريانية الأرض كثيفة الشجر- وهذا أمر يعني أنه يمكني أن أرجع ملامحي "اللبنانية" التي لايراها سوى المكفوفين إلى أن لي جذور هناك حيث أشجار الأرز، حتى أني لما وجدت في أحد المحال بسكويتا لبنانيا هشا اسمه "أونيكا" صرت مدمنا له- ليس لأنه أرخص من البسكويت المصري طبعا.. الواحدة بـ40 قرشا بالمناسبة!- أسمع "فيروز" و "ماجدة الرومي" فارتفع معهما واسمو حتى أشعر أني فوق جبال لبنان الشرقية والغربية كمان، أرى المظاهرات هناك فأهيم شوقا بالسياسة لو كانت هكذا تبدو كفرح، أحزن كلما سمعت عن انفجار في بيروت أو طرابلس ولا أتصور أن كل هذا البيتي فور الرقيق الساكن في بيروت يمكن أن يحمل الرصاص ويقتل، هذا يعني أني أحبك يا لبنان فلماذا إذن كل هذا النحس؟!
المرة الأولى التي كنت فيها على شفا الذهاب إلى "ست الدنيا" كانت عام 2003، كنت أعمل وقتها مندوب مبيعات قد الدنيا في شركة مستحضرات طبية "ليزا اللذيذة"، وهذه مهنة عظيمة جدا لمن يحبها قاتلة لمن هو مجبر عليها، وكنت أنا من الفريق الأخير طبعا، يومها كنت في جولة في صيدليات مدينة المطرية التابعة للدقهلية عندما أتى الهاتف الداعي يستدعيني للقاء محمد صلاح مدير مكتب جريدة الحياة في القاهرة!، والأصل في الحدوتة أن جريدة الحياة- التي تصدر من لندن بتمويل سعودي وكفاءة صحفية لبنانية- قد نظمت مايشبه المسابقة بين طلاب السنة الأخيرة في كليات الإعلام العربية من أجل اختيار بعضهم للالتحاق بالعمل في الجريدة، ولأني كنت أدرس كيمياء وفيزياء وقد تخرجت منذ عامين وجدت أن المسابقة مناسبة لي تماما.. فأشتركت! الغريب أنه وقع الاختيار علي مع زميل آخر من مصر للمشاركة في دورة تدريبية تأهيلية في مكتب الحياة فين؟ في بيروت طبعا، وعلى حسب الآداء هناك سيتحدد مصيري وما إذا كنت سألتحق بالعمل مع الحياة أم لا، طبعا هذه فرصة من النوع الذي وصفه محمد منيربأنها "بنت جميلة راكبة عجلة ببدال" ياتلحقها ياتقعد طوال عمرك تعيط عليها، وطبعا راحت أمال أنا بأكتب الكلام ده ليه دلوقت؟
الخيار كان صعبا جدا، على أن أجهز أوراقي في أقل من 24 ساعة استعدادا للسفر الذي سيكون بعد اربعة أيام على الأكثر، كان هذا أمرا خياليا طبعا خاصة مع تداخل العاطفة في الأمر، يوميها سرت من جاردت سيتي- حيث مقر مكتب الحياة- حتى مترو التحرير هائما على وجهي أفكر، واتساءل في بلاهة "معقول أسيبك يامصر!"، ثم طفت صورة أبي وامي واخي امامي ولم أعد اتخيل كيف سأتركهم" ما أنت راجع لهم تاني ياسيدي!"، ثم ذلك الخوف الغامض الذي يأتيك من خلفك ويزن في أذنك "بلاش بلاش"، وهكذا تضافرت كل هذه العوامل" اللي تقريبا لايوجد بها أي شيء منطقي!" لأجد نفسي أقول بكل وقاحة "لأ مش هأقدر أسافر".. تخيل!
لكن "ست الدنيا" كانت تنتظرني بعد خمسة أعوام بالتمام والكمال، منذ أسابيع قرأت إعلانا عن أن مؤسسة المورد الثقافية تنظم ورشة تدريبية في الصحافة الثقافية فين؟ في بيروت طبعا!، الأكيد أني أحب الصحافة والثقافة لكني أحب لبنان أكثر بكل تأكيد!، كان الوقت المتبقى للتقديم قليلا وكان أحد الشروط وجود صورة من جواز السفر الذي لم أحمله قط،وهكذا خضت سباقا مع الزمن لإنجاز كل الأوراق اللازمة التي أرسلتها في آخر يوم، ثم جلست إلى جوار الهاتف في اليوم المحدد لإعلام المشاركين في الورشة منتظرا الفرج، وأنتظر، وأمسك بالهاتف وأهزه كثيرا مستعطفا "ياعم انطق وقول بيروت"، ثم لاشئ.. راحت!
وهكذا قضيت أياما عديدة أحاول فيها أن أتذكر أي إساءة فعلته في حق ست الدنيا حتى تعاقبني بهذا الشكل ولم أجد "ده أنا حتى بطلت اتفرج على هيفا"، وبعد أكثر من أسبوعين وأنا أدندن "بتلوموني ليه" جاء الفرج.. اتصال تليفوني، ثم صوت رقيق أن آلو، فآلو أنا أيضا، وهكذا "حضرتك معانا في ورشة المورد"، وأنا أجذب نفسي إلى الأرض بمغناطيس قوى حتى لايراني أحد في الشارع ويظن بأن "حنشا" قد قرصني فقفزت لأعلى " فعلا.. والسفر يوم 29 يونيو زي ماهو"، "أي نعم"، "بيروت إن شاء الله؟!"، بيروت ها ها ها.. لأطبعا الأوضاع هناك غير مناسبة على الإطلاق"، "حضرتك ده الأوضاع دي هي اللي أنا بأنتظرها!"، " ماينفعش في أي لحظة ممكن يقفلوا المطار وإحنا خايفين عليكم"، "حضرتك ما هما لما يقفلوا المطار هنستني أكتر وده شيء جميل!"،" معلش .. في انتظارك بقى في الموعد المحدد"،" فين إن شاء الله"،" 6 أكتوبر"!
وهكذا أكتب إليكم هذه السطور قبل الإقلاع مباشرة إلى هناك.. ماحدش نفسه في حاجة أجيبها له من العاصمة اللبنانية.. 6 أكتوبر!