مدينة تامر
مدينة "تامر"
المدهش ليس في أن يمتلك عبد السلام محجوب وزير التنمية المحلية الجرأة ليخرج قائلا أنه وافق على طلب أهالي قرية دماص- بمحافظة الدقهلية - بأن يتحولوا- في غمضة عين- إلى مدينة لمجرد أن تراب القرية قد وطأته قدم جمال مبارك نجل الرئيس والأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم، لكن المدهش في الأمر حقا هو أن الوزير طلب من الأهالي التبرع بالأرض التي سيتم عليها إنشاء قسم الشرطة.. وكأن هذه شروط تحول أي قرية إلى مدينة.. أن يزورها جمال مبارك أولا ثم ينشأ أهلها قسم شرطة ثانيا، وعليه لو استطاع شخص اسمه تامر مثلا أن يتبرع بقطعة أرض في قلب الصحراء الشرقية لبناء قسم الشرطة عليها، قبل أن يقنع جمال مبارك بزيارته- ربما عن طريقة واسطة أحمد عز-، لصارت قطعة الأرض الجرداء هذه في ثاني يوم مدينة متكاملة اسمها "مدينة تامر"!
وإذا كان من المفهوم- وليس من المنطق أو القانون أو العقل طبعا- أن تحدث هذه الواقعة مع قرية يزورها الرئيس مبارك، فتتحول لمجرد أنه أراد ذلك إلى مدينة، فماشي.. هو رئيس البلد في الأول وفي الآخر، ويتصور أنه يديرها بطريقة "أسرية خالصة"، فإذا أراد نقل هذه القطعة من المنزل إلى مكان أخرى لفعل، وعرفنا ذلك من قبل عندما نام أهالي حي المعادي في يوم وهم قاهريون، ليستيقظوا في اليوم التالي وقد وجدا أنفسهم حلوانيون، وكل هذا يتماشي مع القول المغلوط الذي يحاول أن يؤكد عليه مؤيدو الرئيس- ومعهم مرشد الإخوان- بأنه "أب" وليس حاكم دولة، لكن ما علاقة جمال مبارك بدور الأب هذا الآن؟ له الحق بكل تأكيد أن يمارس ذلك الدور في منزله وفي نطاق أسرته، إنما على شعب بحاله وبلد بأكمله، وفي ظل وجود "الرئيس الأب" نفسه وعدم غيابه.. مش كتير برضه؟
ماحدث في دماص، يؤكد جمال مبارك يمارس صلاحيات "رئيس الدولة.. الأب"، وذلك بعد أن مارس لفترة دور "رئيس الدولة" فقط، وهو أمر يثير التساؤلات بشدة عن رضا الرئيس مبارك عن ذلك الذي يقوم به نجله، خاصة في ظل تواتر الحديث عن الاتجاه لتعيين نائب رئيس وطرح أسماء عدة ليس من بينها جمال مبارك.
تحول دماص من قرية إلى مدينة لمجرد زيارة جمال مبارك لها، يؤكد بالفعل أن مصر صارت تفتقد ملامحها كدولة قانون وعقل ومنطق، وأنها لم تعد أكثر من دولة "حسب الرغبات"، وهل يستطيع أحد من أهالي القرية أو وزير التنمية المحلية شخصيا أن يعترض على تحويل دماص إلى عزبة أو نجع لو غضب عليهم جمال مبارك وعاد في كلامه الخاص بتحولهم إلى أبناء مدن؟ صحيح أن مصر الآن لافارق فيها بين العزبة والقرية والنجع والمدينة وكلهم في العشوائية والفساد والقبح والبلاء وطفح المجاري وانتشاء القمامة سواء، لكن السؤال سيظل يطرح نفس بقوة.. إذا كانت دماص تحولت والحمد لله من قرية إلى مدينة بفضل زيارة جمال مبارك فمتى إذن تتحول مصر إلى دولة يسود فيها القانون والعقل وليس رغبة نجل الرئيس؟ الإجابة: أكيد عندما يتوقف جمال مبارك عن زيارة دماص وأخواتها!