من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

السبت، يناير 06، 2007

الإسكندرية.. يناير.. النوة

الإسكندرية.. يناير.. النوة


وروح المرء تبدو كسيارة تعطل موتورها وتحتاج إلى زقة.. كان القرار بالفرار.. وإذا لم تكن إسكندرية هي الملاذ في هذا الوقت فمن تكون إذن؟
أعد العدة منذ مساء يوم الرحلة.. قميص وبلوفر من الصوف ..الجاكيت الجلد و"واحة الغروب" للرقراق "بهاء طاهر" أقول لنفسي "إذا لم انته من هذه الرواية الخلابة اليوم لن افعلها بعد ذلك أبدا".. اضبط المنبه على الثامنة والنصف فأصحو من البرودة في العاشرة والنصف! لا وقت أمامي حتى أؤنب نفسي على ضياع ساعتين في النوم كان يمكن أن أكون فيهما في الإسكندرية.. يمكن أن أفعل ذلك في يوم آخر.. ألقي نظرة على الموبايل فألمح "رسالة جديدة".. في سرعة أفتحها أجدها قادمة من صديقة إسكندرانية عزيزة "فكر..النوة بدأت النهاردة!".. نوة ..عوة.. بوة.. جايلك يا إسكندرية!
وقبل الثانية عشرة ظهرا بربع ساعة كنت ممسكا بتذكرة القطار الأسباني في فرحة شديدة- بخمسة وعشرين جنيها بالمناسبة!- وبعد منتصف النهار بدقيقة تحرك القطار وأخرجت "واحة الغروب" من جيب الجاكيت- أصله واسع شوية الجيب مش الجاكيت!- وأنا مندمج مع محاولات المأمور محمود وزوجته كاثرين- أبطال الرواية- في اكتشاف سر الواحة وأسرار حياتهما الغامضة، خفت ضوء الشمس المتسلسل عبر زجاج النافذة فجأة.. أنظر إلى السماء فأرى السحب الرمادية ضخمة وكثيفة وقريبة وشريرة بشكل لم أره من قبل..أشعر بالخوف والانقباض.. ثم تمطر بكثافة شديدة.. ألمح البيوت والغيطان والطرقات وقد تدثرت جميعها بلمعان وبلل.. "طيب ده إحنا لسه على حدود القاهرة..أمال إسكندرية هتبقى إيه بقى؟!".. يخفض القطار من سرعته.. ويزداد معدل اكتئابي.. إلا أن السماء تكون- كعادتها- حانية.. إذ تتوقف عن المطر.. وتدريجيا تذهب السحب الرمادية الشريرة.. ومن قلب خضار الغيطان ألمح أبوقردان بلونه الأبيض المميز وهو ينفض عن نفسه قطرات الماء.. وعلى عربية كارو تجلس سيدة مصرية أصيلة بجوار زوجها فيما يبدو ينظمان الخضروات التي سيذهبان بها إلى السوق على الأرجح.. يزيد القطار من سرعته.. وتبدأ الشمس في الظهور بخجل فتاة عذراء.. ثم يتجلي هو في مشهد رباني بديع لم أره منذ سنوات.. قوس قزح بألوانه السبعة .. تخرج مني آهه الاندهاش وأنا أهتف سبحان الله.. مرحبا بالحياة التي تدب من جديد في عروق الأرض.. ويسرع الأسباني أكثر.. وفي تمام الثانية والنصف كنت أتنسم هواء الإسكندرية- كمحكوم عليه بالإعدام نال صك البراءة قبل أن يجذبوا الذراع لأسفل بثوان- غير مصدق أني فعلت ذلك بعد تأخر طال لخمس سنوات.. أذهب مباشرة إلى "محطة الرمل" ومنها إلى مسجد المينا الشرقية حتى أصلى.. أشعر براحة وطمأنينة لم أمر بهما منذ فترة.. أدعو الله بما يسره علي من كلمات.. وأخرج في فرحة مستقبلا هواء إسكندرية البارد الذي يحل في القلب دافئا.. ساندويتشات الفول والطعمية الساحرة المختومة بعلامة "محمد أحمد" المسجلة.. أجلس قبالة البحر وخلفي يطل تمثال سعد زغلول ناظرا للأمام متطلعا لأوروبا الساكنة على الجانب الآخر من المتوسط.. أعبر الطريق وأسير موازيا للبحر وأنا أتطلع إلى أمواجه الثائرة التي تصطدم بصخور الكورنيش ناثرة على السائرين القلائل رذاذا ينعش الروح.. أنظر إلى قلعة "قايتباي" الساكنة في مكانها على طرف الثغر منذ مئات السنين فاستشعر فيها شموخا وعزة لا يعرفهما جيلنا المنكوب.. أتأمل روائع المعمار في البيوت المطلة على البحر وأرى المحبين يدفئون مشاعرهما بكوز بطاطا ساخن.. وابتسم عندما أشاهد بائع الذرة مصرا على أن يقوم هو بالشي بدلا من زوجته التي تتوارى إلى الخلف قليلا حتى يلتقط أحد السياح صورة لصديقه وهو يأخذ من البائع كوز الذرة المشوي.. جاءت الساعة الخامسة في سرعة.. في المكان المتفق أقابل الصديقة السكندرية "ايوة بتاعة رسالة الموبايل!" وأنا أداعب طفلها الجميل أقول لها "هي فين النوة دي؟!".. تبتسم "إمبارح والله الشبابيك كانت هتتخلع من الهواء والمطر .. بس الظاهر خافت منك!"..أتمتم "لاخوف ولاحاجة ده هي بس إسكندرية اللي طول عمرها كريمة وماتزعلش حد جاي يزورها حتى لو كان ده في شهر يناير".. وفي "الشيخ وفيق" بـ"بحري" احتسى طبق البليلة الدافئ اللذيذ "هي اللي عزمتني عليه والله!".. نثرثر في الحياة والناس والوطن.. وفي طريق العودة إلى محطة القطار.. أتأمل الشوارع الهادئة النظيفة رغم المطر.. وأنا جالس على الكرسي رقم 59 في العربة رقم 6 في القطار رقم 923 العائد إلى القاهرة انتبه إلى أني لم أزر الإسكندرية منذ خمس سنوات ولما جئتها اليوم قضيت فيها خمس ساعات فحسب.. " ساعة براح واحدة تغسل هموم سنة كاملة" .. شكرا يا إسكندرية.. وكل محبتي ليناير الذي كان رحيما وبالنوة التي خاصمتني ولم تأت.

23 Comments:

Blogger Omar Mostafa said...

يا مدد
صحيح، اسكندرية تغسل اكثر بياضاً :-) خصوصاً في الشتا

6:13 م  
Blogger abdallah ahmed , عبدالله احمد said...

كل سنة و انتا طيب و فنان

9:01 م  
Anonymous غير معرف said...

أولاً دى ندالة رسمى يامحمد..تبقى ف أليكس ولا تقولش.. أنا عارفة إنك جدع طيب وصحفى شاطر وبنى آدم ذوق بس ندل دى جديدة نوفى.. على فكرة أنا متابعة المدونة بتاعتك بس مش باحب أعلق مش عارفه ليه.. بس بجد استفزتنى المرة دى.. الحدوته لذيذة وفيها شوية شبه من حدوتتى.. ماهو أنا كمان باكتب عن رحلتى الأخيرة.. مش عارفة بتبص على مدونتى ولا لأ .. بس برضه ماقدرش أقول انك غشيت منها.. ازاى؟! دانا الجزء بتاع قوس قزح لسه مافارقش الكشكول اللى بانقل منه .. أيوة.. مانا بابيض الخواطر اللى كتبتها هناك مع شوية تعديلات وكده.. بس عادى هاسميه توارد خواطر أو توارد مدونات.. بس ليه تجيب سيرة أبوقردان.. لازم تيجى ع الجرح وتفكرنى بالحب القديم؟؟
طولت عليك يافندم.. بس أعمل ايه كان لازم أعلق المرة دى:)

9:31 م  
Blogger Dananeer said...

حاقده عليك يا محمد
انا وحشانى اسكندريه اليومين دول جدا لدرجه انى بقيت باحلم بالبحر

اللى شدنى العنوان فى عمرانيه جريت على اطول

صحيح الحقد قل كتير عشان اتبسطت و انت بتحكى
شكرا انك فستحنا بكلامك

1:13 ص  
Blogger كراكيب نـهـى مـحمود said...

اسكندرية -
هي صك تحرير الارواح وعتقها من كل ما تحمل من ارق وملل وحزن ربما
يوم اكيد غسلك اوي
وتدوينة غرقانه نشوة وريحة يود وصلت لخلايا المخ وعملت حاله من النشوة والنشاط كل التحية

2:59 ص  
Anonymous غير معرف said...

وأن أقول ياربي مين الشاب اللي قاعد علي البحر دة في محطة الرمل في عز البرد وبياكل فول وفلافل

نورت اسكندرية
علي فكرة أنا فعلا كنت هناك ومن حظي الحلو حضرت النوة وأيام الشتا الجامدة قوي
تحياتي ليك وللي عزمتك علي البليلة السخنة

5:47 ص  
Blogger karakib said...

كده ليك عدي 25 جنيه لأنك قدرت توصل الأحساس بتاع الزياره كأني كنت هناك تمام :) أنا هديك 25 بس علشان مش هارجع

6:39 ص  
Blogger karakib said...

علي فكره كنت كاتب موضوع عن صدام عايزك تشوفه و تقول لي رأيك لو سمحت

12:09 م  
Anonymous غير معرف said...

0oooooh... poor child!

u realy tore my heart to pieces.

3:43 م  
Blogger مَلَكة said...

بالصدفة اكتشفت مدونتك
وبالصدفة قريت البوست ده
وبالصدفة لقيتك غايب عن اسكندرية زيي من 5 سنين
وبالصدفة لقيتك بتعشق اسكندرية في الشتا زيي
وبالصدفة لقيتك كاتب تمن تذكرة القطر عشان كنت عاوزة أسافر ومعرفش الموضوع يتكلف كام-لزوم الميزانية والذي منه-يعني بجد مجموعة صدف أجمل من بعضها
نتيجتها
إنك بجد طلعت في دماغي أسافر قبل الشهر ما يخلص
بس ابقى اوصفلي"محمد أحمد"ده فين عشان أفطر من عنده يوميها:)
أسلوبك جميل في السرد يا محمد،تحس فيه بانسيابية وعذوبة غريبة
وأخيراً
شكراً عشان بكلماتك الجميلة دي صحيت فيا ذكريات وحنين لأسكندرية

11:11 م  
Blogger محمد هشام عبيه said...

عمور: بعض ما عندكم بس ياعم عمر.. مش قلت لك نفسي أروح سيوة معاك.. أديني رحت إسكندرية لوحدي! واحشني
عبدالله أحمد:ده أنت اللي فنان يافنان
هبة المنصوري: أخ.. وأنا بأكتب في المدونة هنا ومش واخد خوانة وبأقول هبة عمرها ما هتدخل هنا!بس أنت برضه ولا مؤاخذة طلعت ندلة لأنك رحتي إسكندرية من غير ماتقول لي.. كده واحدة بواحدة كلي شغف لقراءة ماكتبتي.. ماتبعتيه ميل ينوبك ثواب!
دنانير:عفوا يافندم.. وسعيد بأنك اتبسطتي شوية.. وبخصوص الحقد.. أنا كمان بأحقد على اللي عايشين في إسكندرية!كده واحد واحد
كراكيب نهى: إسكندرية كما وصفتيها فعلا.. بس ده وصف روائيين كبار ما أقدرش عليه أنا..إيه الأخبار بالمناسبة!
زبادي:شفتني حلو إزاي! أنا برضه حسيت بحضورك في إسكندرية بس إيه رأيك في محمد أحمد!
كراكيب: طيب ماتجيب 5 جنيه من اللي عليك! اشكرك بجد وسأطل على جديدك أكيد
إسكندريلا: مش كده والنبي!شاكر لمرورك
ملكة: حلو قوي كوكتيل الصدف ده!نصيحة بجد لو عاوزة تسافري إسكندرية يبقى لازم دلوقت..وقبل يناير مايشطب..وخدي معاك "واحة الغروب" تحفة بجد.. أما محمد أحمد..شوفي ياستي.. أدي ضهرك للبحر وخلي تمثال سعد زغلول على إيدك الشمال ودوغري هتلاقيه في نص الشارع..تهتي! أسألي ده أشهر هناك من بيت المحافظ! كلي بقى وادعي لي..شكرا لتعليقك الرقيق ونورتينا

2:12 ص  
Blogger محمد فرج على said...

هاي
اذيك يا ابو حميد
انت صحفي هايل وشغلك حلو قوي
لكن ممكن سؤال لو سمحت
هو خالد كساب مالوش موقع

10:27 ص  
Blogger كراكيب نـهـى مـحمود said...

شكرا جزيلا يا فنان ولسه مفيش اخبار الغلاف لسه مش جاهز ربنا يستر وتلحق المعرض كل التحية وشكرا على السؤال وكل شئ

12:33 م  
Blogger محمد هشام عبيه said...

محمد فرج: أشكرك كثيرا..خالد كساب للأسف مالهوش صفحة على الإنترنت..بس ممكن تبعت له على إيميله لو حبيت تتواصل معاه..
نهي كراكيب: لاشكر على واجب .. مش بأحب أنكد على حد.. بس حكاية تأخير الغلاف ده مش مطمناني.. يارب أطلع غلط زي كل مرة!

11:29 م  
Blogger Unknown said...

حلوة فكرة
انك
تروح الكس
لمدة خمس
ساعات
والأرؤوع
ان يكون بينك
وبيم التفاصيل اليومية الأشياء المحيطة بك هذا الحوار الرائع
والأجمل
حديثك عن
الرائع بهاء طاهر
بهذه الحميمية
وإلى ان يفرجها بسبعة جنية
على حد تعبير بلال فضل
اشكرك على اطلالتك الرائعة
تحياتى

2:08 ص  
Blogger Shaimaa Zaher said...

أولا، كويس إنك زرت إسكندرية بعد خمس سنين، عارف يمكن محمد أحمد من خمس سنين فاتوا ماكنش حيكون كويس كده، ولا حيكون فيه طبق بليلة :)، مين عارف؟

بس بعيدا عن كل ده، أسلوبك في البوست ده مميز دون مبالغة..عجبني موضوع "روح المرء تحتاج إلى زقة"، وحاجات تانية طبعا!

وعندك حق..رواية بهاء طاهر تحفة...بص هي دي ميزة إن الواحد يرجع الكتب للناس في ميعادها! صح؟!

صباحك فل! وسلم لي على أبو حنين لو أمكن...

1:40 م  
Anonymous غير معرف said...

يا محمد والله نفسى راحت لزياره اسكندريه انا رحت مره واحده من خمس ست سنين كده بس حبيتها على فكره انا اسمى مروه من المنصوره واعرف ناس انت تعرفهم وكده يعنى ويا ريت نعرف احنا بعض لما اكلمك بعد كده على طول تقوللى ايوه يا مروه مروه فؤاد

10:58 ص  
Blogger محمد هشام عبيه said...

أبو أمل:أنا الذي أشكرك.. بس صدقني واحة الغروب تستحق التضيحة بسبعة جنيهات وأكثر
شيماء زاهر:على قولك فعلا..كل شيء بقدر ونصيب.. بس البليلة تجنن الصراحة!أشكرك على رأيك.. بس على فكرة أنا دلوقت برضه محتاج زقة!خدتي بالك فعلا من أن اللي بيرجع الكتب في ميعادها بيخليني أقرأها! سلامك لأبوحنين وصل وهو يبادلك إياه سلاما ومودة.
مروة توفيق:أيوة يامروة! حلو كده!.. يامرحب بأهالي المنصورة الجدعان..بس من دول أصحابي اللي تعرفهيم وكده!..أهلا بك طبعا ونصيحة اخطفي نفسك وجري على إسكندرية..تستحقها وتستحقك الآن

2:17 ص  
Blogger shimaa said...

وروح المرء تبدو كسيارة تعطل موتورها وتحتاج إلى زقة.. كان القرار بالفرار.. وإذا لم تكن إسكندرية هي الملاذ في هذا الوقت فمن تكون إذن؟
i completely agree wiz u...Alex de 3sh2 w 3la fkra btb2a a7la fe elwinter..w eldonya mtlga kda w hwa elb7r be7'bt fe wshk bre7to eli mlhash 7l..Alex de 7ayah

so ana b7kd 3leek enk ro7tha w lw 4 only 5 hours bs el7mdol allah en 7kdi mt27'r 7bteen w 2nk rg3t blslama:)

8:06 م  
Anonymous غير معرف said...

من نفسي أقولك إن كتاباتك جميلة لكن اسكندرية احلى فعلا بحرها يغسل الهموم قبل الهدوم!!

نورت اليكس يا فندم والزيارة الجاية عندنا ...

القلم الجريح

1:45 ص  
Blogger Ayat said...

هو انا إزاى ماقريتش البوست ده مع انى قريت اللى قبله واللى بعده؟!!!!! حاجة غريبة جدا!!أنا بقى بقالى 6 سنين ماشفتش اى مكان خارج القاهرة أصلاً .. بس مش هقر عليك .. حرام ... خصوصاً إن كلامك خلانى كأنى رحت إسكندرية أنا كمان .. أنا فعلاً شميت ريحة البطاطا والذرة .. :) .. تحياتى

4:10 ص  
Blogger ماسة الحب said...

بجد بجد اول مرة الاقي حد يكتب كده بلالشعور ده مهمة اوي اسكندرية في حياة كل الناس حتي الي مرحهاش بيحلم بيها

7:37 ص  
Blogger Enass Emam said...

استااااااااذ محمد مع انى متابعة جيدة لكتاباتك فى الدستور و لكن دى اول مرة ادخل فيها مدونتك اللى شكلى كده هكون زائرة مستديمة عندك هنا
و من حسن حظى ان اول حاجة قرأتها هى المدونة دى ,بجد خليت دموعى تتحرك من كتر ما كان وصفك كان فيه احساس عمييييق.و اول حاجة قلتها بعد اما خلصت قراية:يا ريتنى كنت هناااااااك.

4:50 ص  

إرسال تعليق

<< Home