من نفسي

بكسر النون

الاسم:
الموقع: الدقهلية- القاهرة, Egypt

الجمعة، مارس 31، 2006

إعلان غير مدفوع الأجر

إعلان غير مدفوع الأجر
البداية كانت الأربعاء 29 مارس بـنور القمر
والهدف أن ننشر كل أسبوع مدونة أو أكثر في جريدة الدستور
أعرف أن هناك من سيرفض الفكرة من أساسها
وهناك من سيعجب وسيرحب بها
وهناك من سيفكر ويشاور عقله
للجميع للذي يرفض ويرحب ويفكر
هاهو الإيميل
فقط رجاء إرسال الاسم الحقيقي والبلد الذي تقيم فيه وبالطبع عنوان المدونة
يامسهل يارب

السبت، مارس 04، 2006

العنكبوت

العنكبوت


كانت المرة الأولى التي أرى فيها عنكبوتاً بهذا الحجم..كل تفاصيله الدقيقة كانت واضحة لعيني المجردة دون الحاجة إلى أي عدسات مكبرة..الرأس وبها العيون الثماني المتراصة على صفين ..الفم الذي يتخذ شكل الماصة..زوج القرون الكلابية التي يستخدمها عادة للإمساك بالفريسة.. أرجله الثماني المزدوجة..لا أعرف كيف وصل إلى شقتي .. وكيف لم أنتبه إليه مطلقا وهو يكبر بهذا الحجم..ثم تأخذه الجرأة لأجده يتمشي على حائط الحمام بكل أريحية..لم يكن مزاجي رائقا حتى أستمر في مراقبته ثم أن رغاوي الصابون التي غطت ذقني كانت تدغدغني وتلح علي لأضع الموسي عليها لأنتهي من هذه المهمة التي أجلتها أكثر من أسبوع .. تراجعت إلى الخلف قليلا ثم رفعت قدمي في هدوء محاذراً استثارته ..وبسرعة شديدة نزلت بكل قدمي عليه..كنت أدرك أن العنكبوت لا عظام له ..ورغم ذلك فقد خيل إلي أني سمعت صوت عظام تتفتت..أجفلت لثوان..ثم رفعت حذائي لأرى بقاياه فلم أجد له أي أثر!..تلفت يمينا ويسارا وبحثت على كل حوائط المكان فلم أجده.. نظرت إلى الساعة التي قاربت على الثامنة وتخيلت صورة مديري في العمل وهو يقابلني بوجهه الغاضب ملوحا بسيل من الجزاءات واللوائح التأديبية..درت نصف دورة وواجهت المرآة وبدأت في حلاقة ذقني حتى ألحق بميعاد عملي وإن لم تغب عن ذهني صورة ذلك العنكبوت الخفي.

***

جالسا على مكتبي الإيديال ذي الأدراج التي تخرج منها الملفات المهترئة.. أدخن السيجارة باستمتاع وقد هاجمني - دون أي مبرر- طيف "مروة" بكل ماتحمله من ذكريات الحب الأول الذي ذاب .. ضحكت بصوت عال وهو ماجعل زميلي "مصطفى" ينظر لي بإندهاش وهو يسألني في سخرية:
"خير ياعم.. حد بيزغزغك ولا إيه؟!"
قلت له وأن أنفث آخر أنفاس السيجارة متجاهلا الإجابة على سؤاله:
"قول لي يا"مصطفى".. هما ليه سموا الحب الأول أول؟"
- "أه ده أنت فايق بقى وعاوز تتسلى!"

- "أبدا والله ..بس السؤال جه في بالي ..أصل أنت عارف معنى الحب الأول ده أنه أكيد هيكون وراه حب تاني وتالت ورابع..يعني إحنا من الأول حاكمين على الحب الأول ده بالفشل..وإلا مكنش وراه حب تاني ..صح؟"
نظر لي "مصطفى" في تفكير للحظة، ثم أنكب على مجموعة أوراق أمامه وهو يقول:
"صح طبعا ..هو أنت تقول حاجة غلط..ممكن تسيبني اخلص شغلي بقى؟"
قهقهت بصوت عال ، ثم مددت يدي لأمسك بأحد الملفات من أحد الأدراج عندما لمحته.. هو ذات العنكبوت..يزحف على سطح المكتب بنفس الهدوء والثقة التي رأيته بها في منزلي..نفس العيون والقرون والأرجل..ونفس الحجم الكبير المفزع..ندت مني صرخة مكتومة جعلت مصطفى ينظر لي في تساؤل وهو يقول
:"خير ياسيدي..ماكنت بتضحك من شوية ؟"
نظرت له في شرود ثم رفعت أصبعي السبابة أمام فمي وأنا أهمس "شششش!"، ثم أنحيت في هدوء وخلعت حذائي ورفعته لأعلى ثم هويت به على العنكبوت بقوة أحدثت دويا صاخبا لم تمنعي في ذات الوقت من أن أسمع صوت قرقعة العظام وهي تتكسر..أمسكت بالحذاء وقلبته في سرعة..كانت نفس النتيجة السابقة..لا أثر للعنكبوت مطلقا.

***

ألقيت بزهر الطاولة وأن أقرص عليها بطريقة تعلمتها من صديقي "أمجد" أيام الجامعة- أين هما الآن؟!- ثم حركت "القشاط" الأسود -دائما أحب هذا اللون - وانتظرت أن يلعب صديقي العجوز عم "سيد" دوره، إلا أني وجدته يتابع شاشة التليفزيون الموجود في آخر المقهى بتركيز شديد فقلت له ضاحكا:
"هيييه ياعم سيد.. هيفاء مش بتيجي دلوقت!"
نظر لي مبتسما ثم قال لي وهو يشير إلى التليفزيون:
"عمرك طلعت في مظاهرات زي دي؟"
ظل شبح الضحكة مرتسما على وجهي وانا أقول له:
"يوه ه ه.. كتير..أيام الشباب والجامعة والطيش بقى".
نظر إلي وهو يضيق عيناه ثم سألني بتركيز شديد:
"وبطلت تروح ليه؟"
أطلقت ضحكة عالية وأنا أقول له:
"أنت اشتغلت في مباحث أمن الدولة قريب ولا إيه؟!.. بطلت أروح ..عشان..عشان.."
ظللت أبحث لثوان عن إجابة ثم أمسكت بالزهر مرة أخرى وأنا أقول له:
"عشان بقيت بألعب معاك طاولة ياراجل ياعجوز.. هألعب لك دورك .."
وفي نفس اللحظة التي كنت أتابع فيه زهر الطاولة وهو يتراقص قبل أن يتوقف عن الحركة لمحته.. ذات العنكبوت.. نفس تفاصيله.. نفس حركته البطيئة الواثقة المستفزة التي يبدو بها وكأنه ملك يتفقد الرعية.. كان يسير على حافة لوح الطاولة ..عندما أمسكت بطرفيها وفي سرعة وبعنف أغلقت ضلفتيها عندها نظر إلى "عم سيد" في إندهاش وفي عيونه عشرات التساؤلات.. لم أبال بتقديم تبريرات له فقط فتحت ضلفتي لوح الطاولة في لهفة وأنا أتوقع رؤية بقايا العنكبوت مفتتة.. فلم أجد سوى قشاط اللعبة، والزهر وقد توقفت كل واحدة منهما عند رقم واحد.

***


كنت أرى نفسي في الحلم رئيسا للجمهورية، ورائدا للفضاء، ولاعب كرة قدم يحمل كأس العالم عندما أيقظني ذلك الصوت من نومي ،لمعت عقارب المنبه الفسفورية في الظلام فعرفت أنها الثالثة صباحا ، مددت يدي لأفتح الأباجورة المجاورة لسريري فلم تستجب، فطنت أن الكهرباء غير موجودة في الشقة كلها..كان صوت "الخرفشة" هذا الذي يبدو أتيا من كل مكان يثير خوفي بحق خاصة في ظل هذا الظلام الشديد.. التقطت علبة الثقاب التي احتفظ بها بجوار سجائري أسفل المخدة..ثم أشعلت عود ثقاب.. ضحكت وأنا أقول لنفسي ليتني في فيلم مصري يضاء فيه المكان كله بضوء كشافات التصوير الضخمة فور أن يشعل البطل عود ثقاب هزيل.. انكسرت الضحكة وأنا ألمح على الضوء الذابل ذات العنكبوت يزحف ببطئه المعهود بجواري على السرير..تحركت للوراء في عنف فأنطفأ عود الثقاب.. شعرت بفزع شديد وأنا أتخيل العنكبوت وهو يتحرك نحوي في سرعة.. فأمسكت بعلبة الثقاب واشعلت أربعة أعواد دفعة واحدة وعلى الوهج لمحته فعلا يكاد يلمس جسدي، ثم وقد أتخذت القرار ..اشعلت النار في علبة الثقاب كلها وألقيتها في سرعة على العنكبوت.. لمحت النيران تشتعل فيه ثم اشتعلت في الملاءة فقزت من مكاني..ووقفت أراقب النيران وهي تأكل السرير قطعة قطعة..كنت أريد أن أتأكد من أنها قضت تماما عليه..لا أعرف كم من الوقت ظللت على حالي هذا حتى اقتحم الجيران باب الشقة ثم دفعوني خارجها في سرعة وهم يحاولون إطفاء النيران وسط صرخات من السيدات.. ثم أقترب مني أحدهم وهو يربت على كتفي متسائلا:
"المهم أنت كويس؟"
نظرت إليه في شرود وأنا أقول له:
"المهم أن أنا قتلته".
نظر إلي في إندهاش وهو يقول:
"مين ده؟!"
ابتسمت ابتسامة شاحبة وأنا أشير إلى نقطة سوداء ضخمة تتحرك من بين أرجل الناس المتزاحمين إلى خارج الشقة:
"العنكبوت ده!"